United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

كلمة الدكتور فيصل المقداد وزيــر الخارجية والمغتربين رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة

الاثنين, 26 (أيلول (سبتمبر 2022
المتحدث: 
الدكتور فيصل المقداد وزيــر الخارجية والمغتربين
المكان: 
الجمعية العامة للأمم المتحدة

السيد كاسابا كورتشي، رئيسُ الجمعيةِ العامة،

أهنئكم على انتخابِكُم رئيساً للجمعيةِ العامة في دورتها الحاليّة، وأشكر سلفَكُم السيد (عبد الله شاهد) وزيرَ خارجيةِ المالديف على رئاسته للدورة السابقة. كما أشكرُ الأمينَ العامَّ على الجهودِ التي يبذلُها في إطارِ الولايةِ المَنوطةِ به تنفيذاً لأحكامِ ميثاقِ الأممِ المتحدة.

السيدُ الرئيس،

نلتقي اليومَ في ظل أوضاعٍ حساسةٍ وخطرة على الصعيد الدولي، حيث تزداد الحروبُ والنزاعاتُ والتهديداتُ للسلمِ والأمن الدولي، وينتشرُ الإرهابُ والفوضى، ويتعرّضُ الاقتصادُ العالميُ والأمنُ الغذائيُ للخطر، ويتسارع تغيُّرُ المَناخ. واللافتُ أن كلَّ ذلك يأتي نتيجةً لإصرارِ بعضِ الدولِ على فرضِ هيمنتِها على الدولِ الأخرى، والاستيلاءِ على مواردِها وثرواتِها، والسعيِ لتحقيقِ أجنداتِها الضيقة، بما في ذلك عبرَ الِاستثمارِ في الإرهاب، وفرضِ الحصارِ الاقتصادي، واستخدامِ الأسلحةِ الفتاكة؛ ضاربةً بعرضِ الحائط كلَّ ما أجمعَتْ عليه البشريةُ من قوانينَ وأعرافٍ دولية...

فقد شنّت هذه الدولُ الحروب، واحتلتْ أراضي الغير، تحت ذريعةِ "نشرِ الديمقراطيةِ وحمايةِ حقوقِ الإنسان"، ولكنها في الواقعِ دمّرتْ دولاً وقتلتِ الكثيرَ من الأبرياء، وما جرى في منطقتنا ليس إلا مثالاً على ذلك...

أطلقوا على الإرهابيينَ المدعومينَ من قبلِهم تسميةَ "المعارضة المعتدلة التي تَنشدُ الحرّية"، ولكنّ هؤلاء كانوا مجرّد أدواتٍ لتدميرِ الدولِ الأخرى التي لا تسيرُ في فلكِهم ولا تخضعُ لأجنداتهم...

سمَّوْا عقوباتِهم بـ"العقوباتِ الذكية"، ولكنها في الواقع ليست سوى أدواتِ قتلٍ وعقابٍ جماعي ضدّ الشعوب التي وقفت إلى جانب بلادِها وسيادتِها وجيشِها؛ وما فعلوه في سورية من منعِ وصولِ الغذاءِ والدواء، ووَقودِ التدفئةِ وغيره من متطلباتِ الحياةِ الأساسية إلى الشعب السوري، هو خيرُ دليل...

 

 

السيدُ الرئيس، أيها السيداتُ والسادة،

إننا وإذ ننبّهُ إلى هذا الواقعِ المزري فإننا ندعو إلى اتّخاذ القرارِ الصائبِ في هذه اللحظة الفارقةِ والدقيقةِ من تاريخنا الكوني، بما يضمن حاضراً ومستقبلاً أفضل لنا وللأجيال القادمة، وبما يؤسسُ لبناءِ نظامٍ عالميٍ جديدٍ متعددِ الأقطاب، يعملُ فيه الجميعُ تحت مِظلةِ مبادئِ وأهدافِ ميثاقِ الأممِ المتحدة. بالطبع من المعروف أننا ننطلقُ في هذه الدعوة من تجربةٍ حقيقيةٍ لم تكن منفصلةً عن ذلك، لأنّ الحربَ على سورية كانت في إطارِها الأوسعِ جزءاً من محاولاتِ الغرب لإبقاء سيطرته على العالم. ورغم أن هذه الحربَ قد فشلتْ في تحقيقِ أهدافِها، بما في ذلك كسرُ إرادةِ سورية وعزلُها عن محيطِها وعن العالم، لكننا لا نُنْكِرُ أنها خلّفَتْ تجربةً مريرةً وباهظةَ الثمنِ على السوريين، الذين عاشوا على مدى أكثرَ من عشرِ سنواتٍ تحت وحشيةِ إرهابٍ منظّمٍ ترعاه حكوماتٌ معروفة، وتحت نِير احتلالٍ وتدخلٍ عسكريٍّ غيرِ مشروع، وتحت لا إنسانيةِ حصارٍ اقتصاديٍ وإجراءاتٍ قسريةٍ أحاديةِ الجانبِ لا ترحم.

السيدُ الرئيس،

في الوقت الذي كنا نأملُ فيه تحقيقَ السلامِ والاستقرارِ في منطقتنا، شهِدْنا مزيداً من الممارساتِ الإسرائيليةِ التي دفعتِ المنطقةَ إلى مستوياتٍ غيرِ مسبوقةٍ من التوتّرِ وعدم الاستقرار، وذلك سواء من خلال ارتكابِها المجازرَ وتصعيدِ عدوانِها العسكريِّ على الأراضي الفلسطينية وقتلِ المدنيين، أو من خلال الاستمرارِ في سياساتِ الاستيطانِ والتهويدِ والحصارِ والاعتقالِ التعسّفي، والتهجيرِ القسري والتمييز العنصري. إنّ ممارساتِ إسرائيل تشكّلُ جرائمَ لم يعد من المقبول الاستمرارُ في الإفلاتِ من العقابِ عليها. تؤكّد سورية من جديد بأنها لن تتراجعَ عن وقوفها إلى جانبِ الشعبِ الفلسطينيِ الشقيق، في نضالِهِ لتحريرِ أرضِهِ المحتلّة وإقامةِ دولتهِ المستقلةِ ذاتِ السيادةِ على كل أرضهِ وعاصمتُها القدس، وضمانِ حقّ اللاجئينَ الفلسطينيينَ في العودةِ إلى وطنهم، وذلك وفقاً للقانون الدَّوْلي وقراراتِ الأممِ المتّحدة ذاتِ الصلة. إن سورية تدعمُ قرارَ فلسطين في الحصولِ على العضويةِ الكاملةِ في الأممِ المتحدةِ التي طال انتظارُها، وتدعو إلى عدمِ عرقلةِ قبولِ هذه العضوية من قبل بعض أعضاء مجلس الأمن.

 

السيدُ الرئيس،

تمارسُ إسرائيلُ منذ احتلاها الجولانِ السوري في العام 1967 وحتى الآن أبشعَ أشكالِ الانتهاكاتِ الجسيمةِ والممنهجة لقانونِ حقوقِ الإنسان وللقانونِ الدولي الإنساني، بما في ذلك بناءُ المزيدِ من المستوطنات وتغييرُ التكوينِ الديمغرافي والهيكلِ المؤسساتي، خاصةً من خلال محاولاتِ فرضِ الجنسيةِ الإسرائيلية، ووثائقِ الملكيةِ الإسرائيلية على أبناءِ الجولان قسراً، هذا ناهيكَ عن نهبِ مواردِ الجولان الطبيعية ودفنِ النفاياتِ النووية في أراضيه، والاستيلاءِ على الأراضي لإقامة توربيناتٍ هوائيةٍ ضخمة، وغيرِ ذلكَ من الانتهاكاتِ الموثّقة.

لقد أضافت إسرائيل فصلاً جديداً إلى هذا السجلِّ الأسود، تَمَثّل بدعمها للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها جبهةُ النصرة" التابعةُ لتنظيم "القاعدة" و"داعش"، وقيامِها بشنّ اعتداءات متكرّرةٍ على الأراضي السورية، لا سيما استهدافَ المرافقِ المدنيةِ بشكل ممنهج ومتعمّد، بما في ذلك الموانئُ والمطاراتُ المدنية، ممّا يُهددُ السلمَ والأمن في المنطقة والعالم، ويُعرّض للخطرِ أرواحَ المدنيين، وسلامةَ الطيرانِ المدني في سورية والمنطقة. إن قادةَ إسرائيل الذين ارتكبوا جرائمَ حرب وجرائمَ ضدَ الإنسانيةِ بحقِ الفلسطينيينَ والسوريينَ على السواء، لا يحق لهُمُ اعتلاءُ المنابرِ الدولية للتشدقِ بالحرصِ على أرواحِ المدنيين وحقوقِ الإنسان.

إنّ سورية وإذ تُشير إلى أنّ استمرارَ الدعمِ أو الصمتَ عن مثلِ هذه الممارساتِ الإسرائيلية من قبلِ بعضِ الدول التي تُنصّبُ نفسَها حاميةً للقانونِ الدولي الإنساني ولقانونِ حقوقِ الإنسان، يجعلُها متواطئة مع هذه الجرائم، ويُظهر مدى ازدواجيةِ المعاييرِ التي تمارسُها؛ وإنّ سورية تؤكّد أنها ستمارسُ حقَها المشروعَ في الدفاعِ عن أرضِها وشعبِها بكل الوسائلِ اللازمة، وفي ضمانِ مساءلةِ سُلْطاتِ الِاحتلالِ الإسرائيلي على هذه الجرائم.

إنّ الجولان السوري المحتل باقٍ في قلبِ كل سوري، وحقُّنا باستعادته كاملاً حتى خطِ الرابعِ من حُزَيْران لعام 1967، هو حقٌّ ثابتٌ لا يخضعُ للمساومةِ أوِ الضغوط ولا يسقطُ بالتقادم، وهو مكفولٌ بموجب القانونِ الدولي وقراراتِ الأمم المتحدة ذات الصلة، وخاصةً قرارَ مجلسِ الأمن رقم 497 لعام 1981.

 

السيدُ الرئيس، السيداتُ والسادة،

 إنّ أيَّ وجودٍ عسكري غيرِ شرعي على الأراضي السورية هو مخالفٌ للقانونِ الدولي ولميثاقِ الأمم المتحدة ويجبُ أن ينتهِيَ فوراً دونَ قيدٍ أو شرط. كما أنّ محاربةَ الإرهابِ بمختَلِفِ أشكالِهِ وتفرّعاته، والقضاءَ عليه بشكل نهائي، لا يمكن أن يتمَّ إلا بالتعاونِ والتنسيقِ مع الدولةِ السورية وفي إطارِ احترامِ سيادتِها واستقلالِها ووَحدتِها وسلامةِ أراضيها؛ فمحاربةُ الإرهابِ لا تتمّ عبر "تحالفٍ دولي" غيرِ شرعيّ يَنتهكُ سيادةَ الدول، ويُدّمر المدنَ والقرى، ويَرتكبُ المجازرَ بحق المدنيين، ويَسرِقُ الثرْواتِ الوطنية، ويَدعمُ المليشياتِ الانفصالية... كما أنّها لا تَتّمُ عبر احتلالِ أراضي الغير، وسياساتِ التهجيرِ القسري والتغييرِ الديمغرافي، ولا بالسعيِ لإنشاءِ ما تُسمّى "منطقةً آمنة" والتعاونِ مع الإرهابيينَ أنفُسِهِمْ، أو بممارسةِ العقابِ الجماعي من خلالِ قطعِ المياهِ عن المدنيين. أما الميليشياتُ الانفصاليةُ التي مازالت تعيشُ تحت تأثيرِ الأوهامِ التي يَنْسِجُها رعُاتُها، فعليها أن تَعِيَ الواقع، وأن تتراجعَ عن التعويلِ على المحتلِ الأجنبي، فمن لا يقفُ إلى جانبِ وطنِه لا وطنَ له.

السيدُ الرئيس، السيداتُ والسادة،

لقد انتهجتِ الدولةُ السوريةُ منذ بدايةِ الأزمة في العام 2011 خيارَ التسوياتِ والمصالحاتِ الوطنيةِ المحلية، كطريقٍ لإعادةِ الأوضاعِ إلى طبيعتِها في مختلِفِ ربوعِ الوطن وتعزيزِ الوحدةِ الوطنية وتماسُكِ المجتمعِ السوري. وضمنَ هذا النهجِ الجامعِ نفسِه تمّ إصدار واحدٍ وعشرينَ مرسومِ عفوٍ عام، كان آخرُها المرسومَ التشريعيَّ رقم 7 لعام 2022 الذي أصدره السيدُ الرئيس بشارُ الأسد، رئيسُ الجمهوريةِ العربيةِ السورية، والذي مَنحَ بموجبه عفواً عاماً عن الجرائمِ الإرهابيةِ المرتكَبةِ من قِبل السوريين، عدا تلك الجرائمَ التي أفضَتْ إلى موت إنسان. إن هذا العفوَ يكتسي أهميةً استثنائيةً بطبيعتِهِ القانونيةِ والِاجتماعيةِ والسياسية، فهو يعكسُ مرحلةً متقدّمةً في إطارِ إرادةِ وجهودِ الدولةِ السوريةِ المستمرة، لترسيخِ المصالحةِ الوطنية والوئامِ الاجتماعي وتحقيقِ الِاستقرارِ بشكلٍ مستدام. وستتابعُ الدولةُ السورية جهودَها وفقاً لهذا النهجِ الذي أثبتَ فعاليتَهُ على أرض الواقع والذي أدى إلى عودةِ الكثيرِ من السوريينَ إلى ممارسةِ حياتِهِمُ الطبيعيةِ كغيرِهم من باقي السوريين.

بالرغم من كل الظروفِ الصعبةِ التي مرت بها سورية فقد حَرِصَتْ على إجراء استحقاقاتِها الدستوريةِ في موعدِها، حيث شَهِدَتْ سورية قبل عدّة أيام انتخاباتٍ ديمقراطيةً للمجالسِ المحلية تَرَشّح لها تسعةٌ وخمسونَ ألفَ مرشّحٍ تنافسُوا على تسعةَ عشرَ وستةٍ وثمانينَ ألفِ مقعد، مما يعكسُ اتساعَ المشاركةِ الشعبيةِ الديمقراطية، وتعزيزَ اللامركزية وتعميقَ الإدارةِ المحلية في كلِّ قريةٍ ومدينةٍ ومنطقةٍ ومحافظة.

السيدُ الرئيس،

بالتوازي مع ذلك، تعاملتْ سورية بإيجابيةٍ مع الجهودِ والمبادراتِ التي قُدّمت في إطارِ المسارِ السياسي، وفي هذا الصدد تُجدّد سورية دعمَها للِاجتماعاتِ التي تُعقد بصيغة أستانا، كما ترحب بنتائج قمّة طهران التي عُقدت في التاسع عشر من تموز لعام ألفين واثنين وعشرين، والتي تمّ التأكيدُ فيها على الالتزام بسيادةِ سورية واستقلالِها ووَحدتِها وسلامةِ أراضيها، وكذلك التأكيدُ على الوقوف ضد المخططاتِ الانفصالية، وعلى القضاءِ النهائيِّ على المجموعاتِ الإرهابية؛ ولكنْ للأسف، سيبقى كلُّ ذلك حبراً على ورقٍ إذا استمرَتْ تركيا بعدمِ الِالتزامِ بهذه النتائجِ قولاً وفعلاً، وبعدم تنفيذِها لمُخْرَجات أستانا السابقة.

من جهة أخرى، تعيدُ سورية الإشارةَ إلى اهتمامِها بعملِ اللجنةِ الدستوريةِ التي تمّ الاتفاقُ على تشكيلِها في مؤتمرِ الحوارِ الوطني الذي عُقد في سوتشي عام ألفين وثمانية عشر، ونؤكّد على ضرورةِ أن يحافظَ المبعوثُ الخاصُ إلى سورية على دورِهِ كميسّرٍ للحوارِ السوري - السوري بمُلْكيةٍ وقيادةٍ سورية، وذلك وفقاً للولايةِ الممنوحةِ له.

السيدُ الرئيس، السيداتُ والسادة،

من المعروفِ لكم أن سورية كانت قبل بَدْءِ الحربِ الإرهابية التي شُنّتْ عليها في العام ألفين وأحدَ عَشَر، من أكثرِ بلدانِ العالم أمناً واستقراراً وازدهاراً، وكانت تُحقِّق اكتفاءً ذاتياً وتؤمّنُ متطلباتِ الحياةِ الأساسيةِ لشعبِها بشكلٍ قلّ نظيرُهُ في المنطقة، سواءٌ في الِقطاعِ التعليميِّ أو الصحيِّ أو الخَدَمِيِّ أو المعيشي؛ ولكنَّ هذه الحربَ الظالمةَ غيّرَتْ هذا الوضع، لا بل شَهِدْنا أزمةً إنسانيةً لا يُستهانُ بها. ولكنّ السؤالَ المُهِمَّ هنا هو: ما السببُ في ذلك؟!

طبعاً باتَ الجوابُ واضحاً على ذلك: إنّ السببَ الأساسيَّ في ذلك هو الإرهاب، ثم الإجراءاتُ القسريةُ أحاديةُ الجانبِ التي فرضَتْها الدولُ الغربية، وسَرِقَةُ ثَرْواتِ الشعبِ السوري. وكمثالٍ على ذلك، أشيرُ إلى أن القيمةَ التقديريةَ للخسائرِ المباشِرة وغيرِ المباشِرة التي لَحِقَتْ بقِطاعِ النفطِ والغازِ والثروةِ المعدنية السورية فقط منذ العام ألفين وأحَدَ عَشَر، وحتى منتصف العام ألفين واثنين وعشرين، بلغت ما قيمته مئةٌ وسبعة مليارات دولار أمريكي.

السيدُ الرئيس،

تَبذلُ الدولةُ السوريةُ جهوداً جبّارةً لتحسينِ الوضعِ الإنسانيِّ على الأرض، وإعادةِ بناءِ ما دمّرَهُ الإرهاب، وتسهيلِ عودةِ اللاجئينَ السوريين؛ وتَحْرِصُ على تقديمِ كلِّ التسهيلاتِ للأمم المتحدة لتحسينِ وتعزيزِ إيصالِ المساعداتِ الإنسانية لمحتاجيها، ولتنفيذِ مشاريعِ التعافي المبكِّر التي نص عليها قرارُ مجلس الأمن رقم ألفين وسِتمئةٍ واثنينِ وأربَعين. إنّنا نعتقد بأنّ هذا القرار، رغم كل تحفّظاتنا، يُمكن أنْ يشكّل خطوةً إضافيةً نحو تحسينِ الوضعِ الإنساني في سورية وزيادةِ القدرةِ في الحصولِ على الخِدْماتِ الأساسية، ولكنّ ذلك يتوقّفُ على مدى تنفيذِ الدولِ الغربيةِ لما جاء في القرار بخصوصِ توسيعِ نِطاقِ الأنشطةِ الإنسانية بما في ذلك مشاريعُ التعافي المبكِّر الهادفةِ إلى توفيرِ المياهِ والكهرباء وخِدْماتِ الصرفِ الصحي والرعايةِ الصحية والتعليمِ والمأوى؛ حيث أثبتَتْ تجربةُ القرارِ السابقِ رقم ألفين وخمسِمئة وخمسةٍ وثمانين أن تنفيذَ هذه المشاريعِ لا يُمكنُ أن يَتِمَّ في ظلِ إصرارِ الدولِ الغربيةِ تسييسَ العملِ الإنسانيِّ والتنموي في سورية، واستمرارِها وضعَ العراقيلِ والقيودِ أمامها، لا سيما من خلال فرضِ الإجراءاتِ القسرية.

السيدُ الرئيس،

تُعيدُ بلادي، سورية، التأكيدَ على موقفِها من العمليةِ العسكريةِ الروسيةِ الخاصةِ في أوكرانيا، وعلى تأييدِها حق الِاتحادِ الروسي في الدفاعِ عن نفسِهِ وحمايةِ أمنِهِ القومي ردّاً على السياساتِ الغربيةِ العدوانية. ونحنُ واثقونَ أنَّ الِاتحادَ الروسيَّ اليومَ لا يُدافِعُ عن نفسِهِ فقط وإنما عن العالمِ وعن مبادئِ العدْلِ والإنسانية، وعن حقِّنا جميعاً في عالمٍ يَرْفُضُ منطقَ الهيمنةِ والقطبيةِ الواحدة.

تؤكّدُ سورية مجدّداً تأييدَها الكاملَ لموقفِ جمهوريةِ إيرانِ الإسلاميّة إزاءَ العودةِ إلى الِاتفاقِ النووي الذي انسحبَتْ منه الولاياتُ المتحدة بشكل منفردٍ وغيرِ قانوني؛ وتُشيدُ بالنهجِ البنّاءِ والمسؤولِ الذي تتّبعُهُ إيران في التعاملِ مع هذا الموضوع، وتدعو الولاياتِ المتحدةَ وحلفاءَها الغربيينَ إلى تلبيةِ المطالبِ الإيرانيةِ المشروعة.

تستمرُ سورية بدعمِها لمبدأِ الصينِ الواحدة، وتأييدِ مواقفِ جمهوريةِ الصينِ الشعبية، في مواجهةِ محاولاتِ التدخلِ الخارجيِّ في شؤونِها الداخلية، سواءٌ في تايوان أو هونغ كونغ أو شينجيانغ، وتُشدّدُ على حقِ الصين غيرِ القابلِ للتصرف، في اتخاذِ ما تُقررُهُ من إجراءاتٍ وخطواتٍ للدفاعِ عن سيادتِها، خاصةً في مواجهةِ التصعيدِ غيرِ المسبوق، وسياسةِ الِاستفزازِ التي تمارسُها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية ضدَّها.

تُدينُ سورية الحصارَ الاقتصاديَّ المفروضَ على كوبا منذُ عقود، بما في ذلك تمديدُ الإدارةِ الأمريكيةِ لما يسمى "قانونَ التجارةِ مع العدو"، وتدعو سورية لوقفِ التحركاتِ والتدريباتِ العسكريةِ التي تُجريها الولاياتُ المتحدة في شبه الجزيرة الكورية، والتي تؤدي إلى تصعيدِ التوترِ في المنطقة. وتطالبُ سورية بضرورةِ رفعِ كلِّ أشكالِ الإجراءاتِ القسريةِ أحاديةِ الجانب، التي تَفْرِضُها الدولُ الغربيةُ على روسيا وإيران وفنزويلا وبيلاروس ونيكاراغوا وكوريا الديمقراطية وزمبابوي وإريتريا، وضدَّ بلادي سورية، وتعتبرُها إرهاباً اقتصادياً لا يَقِلُّ وحشيةً وخطورةً عن الإرهابِ المسلّح، لا من الناحيةِ القانونيةِ ولا من ناحيةِ آثارِها اللاإنسانيةِ على الشعوب المستهدفة. كما تؤكّدُ سورية على ضَرورةِ التوقفِ عن محاولاتِ التدخلِ في الشؤونِ الداخلية لهذه الدول، واحترامِ سيادتِها التي كَفِلَها الميثاقُ والقانونُ الدولي.

السيدُ الرئيس، السيداتُ والسادة،

ختاماً، لقد مرّ العالمُ خلالَ الأعوامِ الماضيةِ بظروفٍ استثنائيةٍ بكل المعايير، وتعرَّضَ لتحدياتٍ خطيرة، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وصحياً ومناخياً وغذائياً، وها نحن نواجه توتّراً وتصعيداً لا سابقةَ له على الصعيد الدولي، ممّا يهددُ بالمزيد من المخاطر، ويرمي بعالمِنا إلى المجهول إنْ لم نتحرّكِ الآنَ وبسرعةٍ لمواجهة هذه التحديات بشكل جماعي ومشترك، بما يُسهِمُ في تلبيةِ تطلعاتِ شعوبِنا جميعاً بتحقيقِ الأمنِ والِاستقرارِ والرخاءِ والتنميةِ المستدامة، وضمانِ ألا يكونَ هدفُ "عدمِ تخلّفِ أحدٍ عن الرَّكْب" مجرّدَ شعار. إننا على قناعةٍ تامّةٍ أن تحقيقَ كلِّ ذلك إنما يبدأ عندما تُدرِكُ بعضُ الدولِ الغربيّةِ أنّ الدولَ العظمى لا تكون عظمى ببطشِها وقوتِها العسكرية فقط، وإنما باحترامِ الميثاقِ والقانونِ الدولي، وإعلاءِ المبادئِ الإنسانية، وبالِابتعادِ عن الأنانيةِ وعقليةِ الاستعمار؛ وعندما تُدركُ فعلاً أننا نعيشُ في عالمٍ واحد لا يمكن فيه لدولة أن تحقّق مصالحها وأمنها على حساب مصالح وأمن الدول الأخرى.