السيدة الرئيس،
مجدداً، تواصل بعض الدول الأعضاء استغلال منصة مجلس الأمن لتسييس العمل الإنساني في الجمهورية العربية السورية والمناقشات المتصلة به، والترويج لنظرة انتقائية منحازة للوضع الإنساني فيها.
لقد ظهر جلياً في هذه الجلسة تركيز بيانات تلك الدول على خدمة أهدافها، بما في ذلك سعيها المحموم لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود وتعزيزها، وفي نفس الوقت تتجاهل بشكل متعمد للآثار الكارثية للتدابير القسرية الانفرادية التي تفرضها هذه الدول على الشعب السوري. مما يوضح بأن تلك الدول لا تتطلع إلى عمل إنساني حقيقي، وإنما لتحقيق أهداف سياسية عبر استغلال الوضع الإنساني.
السيدة الرئيس،
لقد كان من الأجدى أن تغتنم وفود تلك الدول- وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية- لهذا الاجتماع الرفيع المستوى للتبرؤ من سياساتها الفاشلة خلال الأعوام العشر الماضية والتي أوصلت سورية إلى هذه الحالة المأساوية. ألم يكن من الأجدى أن تعلن الولايات المتحدة عن إنهاء احتلالها للأراضي السورية ووقف دعمها للميليشيات الانفصالية ووقف عمليات نهب الثروات السورية؟. ألم يكن من الأجدى مطالبة النظام التركي بسحب قواته العسكرية من الأراضي السورية والكف عن دعمه للتنظيمات الإرهابية والكيانات المرتبطة بها؟. ألم يكن من الأجدى التحدث بصوتٍ واحدٍ ضد كل من يقوم بحرمان السوريين من الحصول على مقدراتهم الاقتصادية التي هم بحاجة ماسة لها؟.
إن مواقف بعض الدول التي استمعنا لها اليوم في هذا الاجتماع لا تساعد بأي حال على الارتقاء بالوضع الإنساني في بلادي سورية، لأن تكريس لغة فرض الإملاءات، وتكرار اللاءات، ومشروطية إعادة الإعمار، وتجاهل الدعوات لرفع التدابير القسرية، وعرقلة عودة المهجرين، هي كلها عوامل لا تسهم في إرساء البيئة المؤاتية للحل السياسي وإعادة الأمن والاستقرار إلى سورية.
السيدة الرئيس،
كنا نتطلع إلى أن تكون إحاطة السيد لوكوك اليوم أكثر توازناً، وأن تشير إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة السورية لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. كنا ننتظر أن تشير إلى الأثار الكارثية للإجراءات القسرية اللاشرعية على الشعب السوري، وإيضاً إلى إستهداف التنظيمات الإرهابية المدعومة من الإحتلال التركي حيين في مدينة حلب بالقذائف الصاروخية والذي تسبب بإستشهاد مدنيين أثنين، وإصابة عدد آخر بجروح من بينهم أطفال.
إن الحكومة السورية تجدد التأكيد على أنها المعني الاساسي بشؤون الشعب السوري واحتياجاته، وأن مركز العمل الإنساني في سورية هو العاصمة دمشق، وليس أي مدينة أخرى في دول الجوار أو ما وراءها، وهذا أبسط ما يعنيه احترام مبدأ سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة وسلامة أراضيها الذي تؤكده جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالوضع في سورية. كما يعني أيضاً ضرورة الانخراط في تعاونٍ بنّاء وتنسيق فاعل مع الحكومة السورية لتعزيز العمل الإنساني، ودعم جهودها وشركائها في تقديم المساعدات الإنسانية وإيصالها لمستحقيها، بما يحقق تحسناً نوعياً ملموساً.
فيما يتعلق بآلية إيصال المساعدات عبر الحدود، فإن الحكومة السورية عبّرت مراراً وتكراراً عن مشاغلها الجدية إزاء هذه الآلية، وخاصةً لجهة انتهاكها لمبدأ سيادة ووحدة الأراضي السورية، ولضوابط العمل الإنساني التي أرساها قرار الجمعية العامة رقم 46/182.
إن الحكومة السورية، وانطلاقاً من حرصها على تحسين الوضع الإنساني وتلبية احتياجات السوريين على جميع أراضيها، بادرت إلى تعزيز آلية إيصال المساعدات عبر الخطوط آخذين بعين الاعتبار أن الظروف التي رافقت اعتماد القرار 2165 في 14 تموز2014 لم تعد قائمة.
في هذا الصدد، أود أن أشير باختصار إلى جملة من العيوب الجسيمة التي رافقت تطبيق آلية إدخال المساعدات عبر الحدود:
1- إن ما يسمى بآلية الرصد قد أظهرت على مدى السنوات الماضية عجز القائمون عليها عن ضمان معايير التحقق والدقة التي تكفل المصداقية والمهنية الواجبة الاحترام. والمؤسف أن مكتب أوتشا في مدينة غازي عنتاب التركية الذي لا يلتزم بضوابط العمل الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، يتم استغلاله كأداةٍ لخدمة أجندات بعض الدول.
2- أما آلية التوزيع، فتمثل الجانب الأخطر في هذه العملية، وذلك جرّاء انعدام الشفافية، وانعدام تحديد هوية الأطراف الثالثة أو الشركاء الذين تشير أوتشا إليهم في تقاريرها. إلى جانب ما أظهرته تجربة السنوات الماضية من استيلاء التنظيمات الإرهابية (النصرة وهيئة تحرير الشام) وذراعها الخوذ البضاء على الكم الأكبر من المساعدات الإنسانية التي تلقيها الأمم المتحدة عند الحدود، واستخدامها لتمويل أنشطتها الإرهابية أو لكسب الولاءات وتجنيد إرهابيين جدد.
3- يضاف إلى كل ذلك فإن هذه الآلية أتاحت للنظام التركي حرية الحركة في رعايته للتنظيمات الإرهابية، والمضي قدماً في سياساته الرامية إلى تغيير الطابع الديمغرافي وفرضِ إجراءات التتريك لمختلف مناحي الحياة في تلك المنطقة بما فيها فرض التداول بالليرة التركية والمناهج الدراسية التركية.
إن الحكومة السورية وإلى جانب التزامها بإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية، بما في ذلك عبر الخطوط، فقد عمدت إلى فتح عدد من المعابر الإنسانية بالتعاون مع الأصدقاء الروس، ومنها المعبر الذي افتتحته مؤخراً في أدلب- سراقب. في هذا الصدد ندين قيام التنظيمات الإرهابية بمنع أهلنا في إدلب من الخروج عبر تلك المعابر الإنسانية واحتجازهم كرهائن ودروع بشرية، وتعتبر تجاهل بعض الدول المتعمد لهذه الممارسات - التي تمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني - دعماً لاستمرار سيطرة التنظيمات الإرهابية على إدلب.
السيدة الرئيس،
إن من المستهجن الاستماع إلى بيانات بعض الدول وهي تلقي اللوم على الحكومة السورية في كل ما يتعلق بالمأساة الإنسانية التي يمر بها شعبها، كجزء من حملة لتضليل الرأي العام واستدرار عطفه وإقناعه بأن تلك الدول لا علاقة لها بما وصلت إليه سورية بعد عشر سنوات من الحرب الإرهابية عليها.
لكن وعلى الرغم من هذا الحجم الهائل من التضليل إلا أنها لا يمكنها إقناع أحد بأن تلك الدول غير مسؤولة عن جلب آلاف الإرهابيين الأجانب إلى سورية، والأنكى تبرير رفضها الآن لإعادتهم وذويهم إلى دولهم الأصلية لمقاضاتهم عن الجرائم التي ارتكبوها وإعادة تأهيل وإدماج النساء والأطفال.
إنهم يريدون ممن يسمع بياناتهم اليوم بأن يصدقوا أن التدابير القسرية الأحادية اللاشرعية التي تفرضها هذه الدول على الشعب السوري، وآخرها ما يسمى بــ "قانون قيصر"، لا تمثل إرهاباً اقتصادياً حقيقياً وعقاباً جماعياً للشعب السوري، فالوزير بلينكن تساءل في بيانه عن السبيل الأمثل لوضع حد لمعاناة الشعب السوري؟. وأنا أجيبه بأن الخطوة الأولى هي رفع العقوبات اللاأنسانية التي تفرضها بلاده على الشعب السوري.
هل يريدون منا أن نصدق بأن مشروطيتهم لعملية إعادة الإعمار لا تعيق توفير البيئة المؤاتية للعودة الطوعية والكريمة للاجئين والمهجرين إلى مناطقهم، أو أنها يمكن أن تتسبب بأزمة هجرة جديدة.
كيف يريدوننا أن نصدق بأن مؤتمر بروكسل المنعقد اليوم هو لدعم مستقبل سورية في ظل غياب الدولة السورية، وأستخدامه منصة أخرى للهجوم على الحكومة السورية ومحاولة الإساءة لها.
السيدة الرئيس،
ختاماً، أؤكد بأن مناقشات مجلس الأمن بهذا الشأن لا يمكن أن تحقق تقدماً من خلال البيانات المتحيزة والاستفزازية واستخدام العبارات غير اللائقة والوقحة أحياناً. إن التقدم ممكن فقط من خلال الابتعاد عن التسييس وفتح حوار منفتح وبنّاء يقوم على الاحترام المتبادل بين الدول الأعضاء والأخذ بالاعتبار بوجهات نظر الدولة المعنية بالمناقشة.
شكراً السيدة الرئيس.