أود أولا أن أتقدم بالشكر إلى معالي وزير الخارجية وانج دجي، لترؤسه هذه المناقشة الهامة، كما أود أن أتوجه بالشكر إلى الأمين العام للأمم المتحدة على الإحاطة التي قدمها.
مع اقتراب الذكرى الـ 70 لتأسيس هذه المنظمة العالمية التي لاغنى لشعوب العالم عنها، تؤكد الإمارات العربية المتحدة من جديد التزامنا بالمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة وتنتهز هذه الفرصة لتدعو للنظر في أفضل سبل العمل الجماعي لتهيئة الأمم المتحدة للتعامل مع التحديات المتزايدة التعقيد التي نواجهها.
إن الضغوط الناجمة عن تلك التحديات تؤدي إلى تمزيق نسيج النظام الأمني العالمي، فضلا عن استغلالها من جانب الجماعات المتطرفة. واليوم نحن نحتاج، أكثر من وقت مضى في تاريخنا الحديث، إلى قوة وفعالية الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتود دولة الإمارات أن تتقدم في هذا السياق بالملاحظات التالية:
أولا، من المهم لمجلس الأمن الدولي أن يقوم بالتشاور والتنسيق مع الدول الأعضاء المعنية بالمسائل المطروحة، حتى وإن كان المجلس يتعامل مع أحداث معقدة وسريعة التطور. إن إصلاح أساليب عمل المجلس سيزيد من فعاليته، وسيضمن الأخذ في الاعتبار بوجهات نظر الدول المتأثرة بقدر أوسع.
ثانيا، إن الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة ينص بأنه "على مجلس الأمن أن يشجع على اللجوء إلى الحلول السلمية للنزاعات الداخلية من خلال المنظمات الإقليمية “. وهناك تأثير على الدول المجاورة من حيث الاستفادة من الحلول السلمية للأزمات الأمنية، وتضرر تلك الدول في حالة إطالة النزاعات. إن دور المنظمات الإقليمية يعتبر عنصرا أساسيا في منظومة الأمن الدولية ويجب الاستفادة منه ودعمه بصورة اكبر في مجلس الأمن.
ثالثا، والأهم، يجب أن نأخذ في اعتبارنا بصورة أكبر التكلفة البشرية الناجمة عن إطالة المداولات وعدم التحرك. فعلى سبيل المثال تسببت الأزمة السورية في التشريد القسري لـ 11 مليون شخص، منهم 3 ملايين شخص خارج حدود سوريا و7.6 مليون شخص مشرد داخليا. كما أن إن معاناة الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين تشكل واحدة من أكبر المظالم في تاريخ المنطقة العربية، وتركت آثارها على العالم بأكمله.
وفي دول عديدة بمنطقتنا – وتحديدا في سوريا، والعراق، واليمن – نجد أن التحديات الحالية سلطت الضوء على ضرورة وجود مشاركة دولية مشروعة. ومن ناحية إيجابية، نود أن نثني على مجلس الأمن، وعلى وجه الخصوص المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المتحدة، لما بذلوه من جهود للتشاور وإشراك مجلس التعاون الخليجي بشأن القرار 2201، والذي يشكل تنفيذه الآن أولوية بالنسبة إلى اليمن. إن دولة الإمارات العربية المتحدة على كامل الاستعداد للمساعدة في هذه المهمة الحاسمة. كما تؤكد دولة الإمارات التزامنا بالحكومة الشرعية اليمنية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتدعو إلى الإفراج الفوري عن رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح والمحتجز رهن الإقامة الجبرية، كما تحث على العودة إلى العملية السياسية التي خرجت عن مسارها بسبب استخدام القوة من جانب ميليشيات الحوثيين.
وبالنسبة للوضع في ليبيا، فإن دولة الإمارات تدين بشدة الجرائم الإرهابية المروعة والهجمات الارهابية المستمرة الأخيرة التي تتعرض لها ليبيا والدول المجاورة. نؤكد في هذا الصدد على دعمنا الكامل لجهود السيد برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا. ولاشك أن هناك حاجة عاجلة للتوصل إلى اتفاق سياسي. ومع ذلك فإن الاستراتيجية السياسية للتصدي للأزمة الليبية يجب أن يصاحبها موقف قوي يضمن عدم استغلال قوى التطرف والإرهاب لجهود الوساطة الدولية الجارية. ولهذا السبب فإن دولة الإمارات تؤيد تماما مشروع القرار الذي تقوده ليبيا وجمهورية مصر العربية لرفع حظر الأسلحة المفروض على السلطات الليبية الشرعية، والذي يشكل خطوة ضرورية لتمكين الحكومة الليبية الشرعية ومجلس النواب من ممارسة سيادتهما وضمان استقرار المنطقة. وأي تأجيل في هذا الشأن سيؤثر بصورة خطيرة على الوضع على الأرض وسيوجه رسالة خطيرة إلى الميليشيات المسلحة المسؤولة عن ارتكاب تلك الجرائم المروعة. إن خطر سيطرة الميليشيات المسلحة على موارد ليبيا الضخمة والاستفادة من عوائدها في تصدير أنشطتهم المتطرفة عبر الحدود يشكل تهديدا واضحا وقائما - ليس لمنطقتنا فقط، ولكن للعالم أجمع. إن المجتمع الدولي مُطالب بإظهار تصميمه الآن وإلا سنواجه وضعا أكثر تعقيدا وخطورة في ليبيا.
كما يتعين علينا أن نعترف بالتقدم الذي يحرزه المجتمع الدولي. ففي الأسبوع الماضي شاركت دولة الإمارات، ضمن الـ 60 دولة عضو بالتحالف الدولي، في القمة التي عقدها البيت الأبيض حول مكافحة التطرف العنيف والتي أعلن التحالف خلالها عن إحرازه تقدما استراتيجيا في الميدان. وهنا في الأمم المتحدة، رأينا جهودا بارزة تم بذلها في مجلس الأمن تضمنت تبني القرار 2199 الذي تقدمت به روسيا لقطع الإمدادات المالية لهذه الجماعات، والقرارين 2170 و 2178 بشأن مكافحة تدفق المقاتلين الأجانب. هذا بالإضافة إلى الإنجازات المشجعة التي تحققت على صعيد الإجراءات القانونية لمنع نقل رسائل المتطرفين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما أعلن الرئيس أوباما في قمة الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في جهود إنشاء مركز اتصالات جديد للعمل مع القيادات الدينية والمجتمعية في مواجهة الدعاية المتطرفة.
إن هذه الجهود لعبت دورا حيويا في الحملة العالمية لمواجهة خطر التطرف ويجب علينا التركيز على التعاون في القضاء على الأسباب الجذرية للتطرف. إننا في دولة الإمارات نقوم ببناء نموذج وطني مبني على الاعتدال والتسامح والوحدة. ونحن نعتقد أن نموذجنا المعاصر يواجه خطر آفة التطرف ويرفض الرسالة الوحشية والمزيفة التي يروجها المتطرفون.
إن التحدي في مواجهة التطرف يتطلب جهدا عالميا عاجلا متعدد الأطراف ومنسقاً من جانب جميع الأطراف المعنيين. وهناك العديد من المبادرات الهامة التي وضعتها الأمم المتحدة موضع التنفيذ، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ولكن هناك حاجة ماسة الآن لدعم سياسات حكومية عامة فعالة تهدف إلى مكافحة التطرف من خلال وسائل اجتماعية واقتصادية وسياسية وعلى مستويات متعددة.
ويسرني أن أعلن اليوم في مجلس الأمن أن دولة الإمارات ستطلق مبادرة دبلوماسية تهدف إلى بناء تعاون دولي وتسهيل الحوار من خلال إطلاق "مجموعة الاتصال المعنية بمكافحة التطرف". وسوف يركز هذا الجهد الاستراتيجي على تطوير ونشر حلول ملموسة وأفضل الممارسات في مجال مكافحة التطرف. إن التقدم الذي ستحرزه مجموعة الاتصال سيكون مكملاً ومُعززاُ لجهود التحالف الدولي لمكافحة داعش، وسوف يدعم الأمم المتحدة في اتخاذ "تدابير مشتركة فعالة لمنع هذه التهديدات والقضاء عليها وفقا لمبادئ العدالة والقانون الدولي" كما ورد بالميثاق.
وأخيرا اسمحوا لي أن أختتم مداخلتي هذه بتوجيه التهنئة إلى جمهورية الصين الشعبية على قيادتها الناجحة لمجلس الأمن تحت رئاستكم.
شكرا السيد الرئيس