United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

قمـة الأمـم المتحدة لاعتماد خطـة التنميـة ما بعـد عام 2015

الأحد, 27 (أيلول (سبتمبر 2015
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
الجمعية العامة

شكراً السيد الرئيس،

أتوجّه بداية بشكر الرئيسين المشاركين لهذا المؤتمر، وأود الإعراب عن ترحيب حكومة بلادي باعتماد وثيقة جدول أعمال التنمية لما بعد العام 2015 باعتبارها خارطة طريق طموحة لعمل منظمتنا من أجل تحقيق تنمية مستدامة بأبعادها الثلاث لجميع شعوب العالم. وتشدد حكومة بلادي سورية أيضاً على ما أكدت عليه الوثيقة من أن التزام الدول المتقدمة بمسؤولياتها التاريخية في دعم الجهود الوطنية للدول النامية لتحقيق تنميتها، والالتزام بميثاق منظمتنا واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، تعتبر الأساس الذي يجب أن يُبنى عليه عملنا الدولي من أجل تحقيق التنمية.

السيد الرئيس، السادة الحضور،

تحاكي الوثيقة المعتمدة في طياتها أهم أبعاد ومسببات تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهجرة وانعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط نتيجة ما يسودها حالياً من احتلال وإرهاب وغزو. وتعاني بلادي سورية، التي تقع في قلب هذه المنطقة، من موجة تطرف وإرهاب موجهين عن بعد وغير مسبوقين للعام الرابع على التوالي. إرهاب يحرق كل ما حوله، ويبدد منجزات ومسيرة السوريين نحو التنمية، ويحاول تدمير اقتصاد سوريا وبنيتها التحتية وسرقة مواردها بشكل ممنهج، ويهدد أمنها وسلامة مواطنيها، ويعمل لإلغاء دور وطاقات الشباب والنساء، ويبدد حضارتها.

إن موجة الإرهاب تلك لم يكن ليكتب لها الحدوث والاستمرارية إلى يومنا هذا لولا السياسات الخاطئة للبعض وقصر النظر للبعض الآخر حول هذه الأوضاع في سوريا، وكذلك حول ما يجري في أنحاء المنطقة كذلك. خاصة مع انخراط بعض الدول في تأجيج الأزمات تحقيقاً لمصالح سياسية لا أخلاقية من جهة، وتغاضي البعض وعدم جديته في مكافحة انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة والذي بات يطرق كل مكان حول العالم مع استغلال الإرهابيين لوسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة وتوفر التمويل الوفير لهم من جهة ثانية.

 لقد بات واضحاً أن ما تشهده سوريا هو موجة تطرف وإرهاب يقودها إرهابيون ومتطرفون وسماسرة ودوائر استخبارات إقليمية ودولية معروفة. فالجميع يعلم الآن أين تصدر فتاوى الإرهاب التي تحرّض السوريين ضد بعضهم البعض، والكل يدرك الآن من يقدّم السلاح والدعم اللوجستي والرواتب الشهرية للإرهابيين المرتزقة الأجانب القادمين من أنحاء العالم ومن يسهل عبورهم الحدود إلى داخل سوريا لضربها وتدمير مؤسساتها وتهديد أمن وسلامة مواطنيها، ومن يوزّع على هؤلاء الإرهابيين أذون العبور إلى وهم جنّتهم....!  

إن الهدف النهائي لهؤلاء الإرهابيين ومشغليهم هو تدمير سوريا وما تمثله كأهم قلاع الإعتدال والتسامح والتعايش السلمي في المنطقة. فالصراع الذي تخوضه سوريا حالياً، حكومة وشعباً، هو صراع الإعتدال مع التطرف، صراع الحضارة والتنمية مع التخلف، وصراع الاستقرار مع الفوضى.

تشاهدون جميعاً وبشكل يومي مشاهد القتل والتدمير التي يقودها إرهابيو "داعش" و"جبهة النصرة"، وكذلك التنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا والتي يسميها البعض بشكل مستهجن "بالمعارضة المسلحة المعتدلة"، التي تسلّم سلاحها الأمريكي إلى "جبهة النصرة" الإرهابية بحسب بيان صدر اليوم عن "البنتاغون" الأمريكي، وتنشر هذه "المعارضة المسلّحة المعتدلة" إرهابها المعتدل بقصف المدنيين في القرى والبلدات السورية بآلاف الصواريخ وقذائف الهاون حاصدةً حياة آلاف المدنيين والجرحى يومياً وملحقةً الدمار في الممتلكات العامة والخاصة. كما وتتعرض بيئة سوريا للخطر أيضاً نتيجة لسرقة هؤلاء الإرهابيين للنفط والغاز وتكريره بدائياً ومن ثم بيعه لدول الاتحاد الأوروبي عبر سماسرة أتراك. وكلكم اطلعتم على الاستنزاف المحزن الذي يتعرض له التراث الثقافي السوري وآخرها آثار مدينة تدمر التاريخية العريقة على أيدي إرهابيي "داعش"، وكذلك التراث الثقافي العراقي في الموصل ونمرود.

وفي ضوء معاناتنا من آفة الإرهاب، نؤيد بقوة الإشارة في الوثيقة المعتمدة إلى اعتبار مكافحة الإرهاب أولوية لتحقيق التنمية المستدامة، وننوه بأن مكافحته تتم على أسس أهمها:

  • احترام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، وخاصة مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتنفيذ قرارات منظمتنا ذات الصلة بمحاربة الإرهاب.
  • تعرية ومحاسبة الحكومات والمنظمات والأشخاص المنخرطين في تمويل الإرهاب ودعمه.
  • توفير تعاون دولي فوري للتنسيق في مكافحة الإرهاب، اقتصاديا وعسكريا وسياسياً، والحيلولة دون استفادة الإرهابيين من التكنولوجيا الحديثة لنشر أيديولجيتهم الإرهابية وتمويل عملياتهم....

وأما العائق الآخر أمام التنمية المستدامة في منطقتنا فهو الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأكثر من ستة عقود والذي يتمتع بحصانة بعض النافذين في هذه المنطقة والتي تحميه من أي محاسبة على انتهاكاته وجرائمه ضد الفلسطينيين والسوريين في الجولان، وهي الحصانة التي شلّت كل أفق للسلام وإعادة الأمن والاستقرار والتنمية للمنطقة.

السيد الرئيس،

 رغم توافقنا في وثيقة ريو+20 لعام 2012 واعتمادنا لعشرات القرارات التي أكدت جميعها على ضرورة إنهاء ظاهرة فرض تدابير اقتصادية قسرية أحادية الجانب ضد دول أخرى، وهي التدابير التي تشوه العلاقات الودية بين الدول وتتناقض مع القانون الدولي، تستمر هذه الظاهرة بالاتساع مع اعتماد دول نافذة اقتصادياً على هذا الأسلوب بهدف تحقيق مكاسب سياسية، غير آبهةً بأن المتضرر بهذه العقوبات هو معيشة وتنمية الشعوب في نهاية المطاف. ولعل من الأهمية بمكان التنويه بأن أثر هذه التدابير غير القانونية يكون مضاعفاً عندما يتم فرضها على دول نامية فقيرة، أو تلك التي تعاني موجات الإرهاب والنزاعات والكوارث أو الاحتلال. ففي سوريا، فرضت عدّة دول عقوبات اقتصادية أحادية الجانب ضد أهم القطاعات السورية حيوية كالتجارة والتمويل والاستثمار والطاقة، وهو أمرٌ ألحق بسوريا خسائر كبيرة جداً وانخفاضاً حاداً في مقاييس التنمية، والذي انعكس بدوره سلباً على معيشة السوريين ورفاههم، ونقصاً كبيراً في توفير احتياجات السوريين من المواد الإغاثية والطبية. فالسوريون يعتبرون بأن ظروفهم الاستثنائية تقتضي التآزر والتضامن الدولي في دعم بلادهم ومؤسساتها، لا معاقبتهم اقتصادياً بشكل يزيد الضغوط عليهم التي تسبب بها الإرهاب.

السيد الرئيس،

إن ظاهرة الهجرة ما هي إلا نتيجة للنهج الخاطئ الذي تتعامل به بعض الدول مع الأوضاع في البلدان النامية، لا سيما عدم الجدية في دعم الدول النامية اقتصادياً، أو انخراط بعض الدول في تأجيج الأزمات والتدخل في استقرار الدول وخيارات شعوبها وشؤونها الداخلية كما يحدث بحق بلادي، أو بسبب الاحتلال كما يحدث في فلسطين، أو غزو الدول وانتهاك سيادتها كما حدث في العراق وليبيا، أو بسبب فرض عقوبات اقتصادية ضد دول أخرى كبلادي سوريا وكوبا وفنزويلا والسودان وإيران وبيلاروسيا. وجميعكم تشاهدون حالياً نتائج هذا النهج من موجات هجرة غير مسبوقة.

إن معالجة أزمة اللاجئين لا تتم عبر استجداء البعض للأموال فقط، بل تتم بوقف هذا البعض لدعمه للإرهاب في بلادي وعبر إغلاق حدوده مع بلادي أمام شتات الإرهاب والمرتزقة العالمي.

   وشكراً.