United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

"ضحايا الهجمات والتجاوزات القائمة على أسس عرقية ودينية في الشرق الأوسط"

الجمعة, 27 (آذار (مارس 2015
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

السيد الرئيس،

على الرغم من دخول الأزمّة في سوريا عامها الخامس، مازالت مآذن المساجد وأجراس الكنائس تصلي للسلام والمحبّة في مهْد الحضارات والأديان، سوريا؛ سوريا التي أطلق عليها مدير متحف اللوفر الفرنسي الأسبق، آندريه بارو، اسم "وطن الإنسان المتمدّن"؛ سوريا التي جمعت على ترابها الطاهر، لآلافٍ من السنين، نسيجاً اجتماعياً متنوّعاً حيِكَ بخيوط المحبّة والاحترام المتبادل والتآخي والعيش المشترك، بشكل قلّ نظيره في تاريخ الإنسانيّة. وإذا كان من هدفٍ لما يُحاك من مشاريع ضد سوريا فهو تمزيق هذا النسيج الفريد وتحويل البلاد إلى كيانات ودويلات يفترسها فيروس الانتماءات الإثنية والطائفية والمذهبية. ولكن اللافت حقاً أن هذا النسيج نفسه، بقوته وتلاحمه ووطنيّته، هو من أفشل كل تلك المشاريع ومكّن سوريا من الصمود حتى الآن في مواجهة إرهابٍ وحشيّ أعمى، إرهابٍ لا يعرف ديناً ولا عرقاً ولا أخلاقاً، ارهابٍ يستهدف سوريا، الدولة والوطن والشعب بكل مكوناته، إرهابٍ غير مسبوق برز واقتات على دعم دولٍ أعضاء في الأمم المتحدة وبعضها أعضاء في مجلس الأمن، وقد أمْست هذه الدول معروفة للقاصي والداني، لا بل تتفاخر علناً بتدريب وتسليح وتمويل ودعم المجموعات الإرهابية المسلحة سواء أطلق عليها أسم "داعش" أو "جبهة النصرة" أو "الجيش الحر" أو "الجهاديين" أو "المعارضة المعتدلة المسلحة".....

السيد الرئيس،

لقد أثبتت الأزمة، من جديد، بأنه ما من "أقلياتٍ" في سوريا، بل هناك مكوناتٌ اجتماعيةٌ وطنية، متلاحمةٌ ومتعاضدةٌ في وجّه إرهاب يستهدفها جميعاً دون استثناء؛ مكونات عصيةٌ على أن يتم التلاعب بها تحت مسميات "أقليات" أو"أكثريات" أو غير ذلك من المسميات التقسيميّة ما قبل الوطنية والسابقة لتشكيل الدولة الحديثة، لا بل إن الجميع في سوريا كان واعياً تماماً إلى أن هناك مَن يحاول، من جهة، تشويه صورة الإسلام السَمح عبر تنظيمات إرهابية وحشية مثل داعش وأخواتها، ومن جهة أخرى، خلق جبهات وهمية في المنطقة تخدم فقط تبرير تحقيق هدف إسرائيل العنصري بإقامة دولة لليهود فقط في كامل فلسطين وتقويض حل الدولتين، جبهات تقوم على صراعات اثنية ومذهبية ودينية بين شعوب ومكونات طالما عاشت في المنطقة مع بعضها بسلام لقرونٍ طويلةٍ خَلت وواجهت معاً أعداءها المشتركين.

السيد الرئيس،

مَن كان حريصاً، بالفعل لا بالقول، على حماية هذه المكونات ككل، فعليه، أولاً وقبل كل شيئ، أن يعمل على معالجة جذر المشكلة ألا وهو الإرهاب الذي يستهدف السوريين، كل السوريين، منذ أكثر من أربع سنوات، وذلك عبر التنفيذ الجدّي لقرارت مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب وعلى رأسها القرارات 2170 و2178 و2199؛ فمن غير الممكن لبعض الدول الاستمرار في عقد الجلسات والاجتماعات وإطلاق التصريحات والبيانات حول حماية مكونات شعوب المنطقة في سوريا والعراق ولبنان ومصر، في الوقت الذي تقوم به ذات الدول بدعم الإرهاب أو محاباة من يدعمون الإرهاب في دولنا. إن من يواصل تمويل الارهابيين أو تسليحهم أو تدريبهم أو غضُ الطرف عن أعمالهم، هو شريكٌ ومسؤولٌ عما يتعرض له الشعب السوري بكل مكوناته اليوم، ولا يمكن له أن يكون جزءاً من رفع معاناتهم وحمايتهم طالما استمر في ممارساته تلك.

 

 

السيد الرئيس،

 إلى جانب العمل على وقف النشاطات الإرهابية، لا بدّ لنا من محاربة وتطويق الفكر المتطرف في المنطقة، ولاسيما الفكر التكفيري الوهابي؛ فهناك حكومات بعينها، وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا، ترعى وتروج لهذا الفكر السرطانيّ القاتل وتعمل على تصدير ونشر هذا الفكر الاقصائي الغريب عن مجتمعاتنا المتسامحة في المنطقة والعالم. واهمٌ أو مُتعامٍ من يعتقد بأن تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وباقي التنظيمات الإرهابية برزت واشتدّ عودها من فراغ أو بالمصادفة، بل هناك مُقدمات موضوعية أدت إلى ذلك، ولعلّ أبرزها الصهيونية والفتاوى الجاهلية ومناهج التعليم المتطرفة والسماح للبعض باستخدام الارهاب والتطرف كأداة لتنفيذ أجنداتها السياسية المشبوهة سواء في سوريا أو في دول أخرى، وذلك بما لا يتعارض، فقط، مع القانون الدوليّ وقرارات مجلس الأمن ذات الصلّة، بل يتعارض مع أبسط القيم الإنسانيّة والحضاريّة. أضف إلى هذا وذاك استمرار السماح لمواقع التنظيمات الإرهابية ببث سمومها وتجنيد ضحاياها عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي يمكن حجبها إن توافرت الإرادة الأخلاقية لدى مشغلي الإرهاب.

ختاماً، السيد الرئيس، أود التعقيب على ما تضمنته بيانات بعض ممثلي الدول الدائمة العضوية في هذا المجلس حيث يبدو أن الأمر قد عصي على فهمهم حتى استحال عليهم التمييز بين إرهاب يدعموه هم لتقويض حكومات شرعية من جهة، وبين الجهود الجبارة التي تبذلها تلك الحكومات الشرعية، ومن بينها حكومة بلادي، لحماية شعوبها من ربيعهم هم وإرهابهم هم من جهة ثانية.  

وبالمناسبة، فإنني أنقل لعناية الدول الأعضاء أن "المعارضة المسلحة المعتدلة" التي جرى تدريبها في الأردن وإسرائيل قد قامت أمس واليوم باجتياح منطقة بصرى الشام، الرومانية التاريخية، واستهدفت أحد مكونات الشعب السوري فيها، تماماً كما حدث في أماكن أخرى من سوريا والعراق... وهذا برهان ساطع على أن داعش وجبهة النصرة متحالفتان مع إسرائيل وشراكائها...