United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191 الخاصة بالوضع الإنساني في سوريا

الاثنين, 16 (تشرين الثاني (نوفمبر 2015
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

السيد الرئيس،

يذكرني تعامل البعض في مجلس الأمن مع الوضع في سوريا بعبارة مجازية تقال في لغة شكسبير وهي: "There is an elephant in the room". أي باللغة العربية "هناك فيلٌ في الغرفة".

 وهذه العبارة تعني أن هناك مشكلة كبيرة، واضحة للعيان ولا يمكن تجاهلها؛ إلا أن الأشخاص الموجودين في الغرفة يتظاهرون بعدم وجودها واختاروا عدم التعامل معها أو حلّها.... هذا، بالضبط، ما حصل مع بعض الدول في هذا المجلس في إطار تعاملها مع الوضع في سوريا، وذلك عندما تجاهل صناع القرار فيها الآفة الأكبر التي تزعزع الاستقرار والأمن في سوريا والمنطقة والعالم، الآفة التي كانت السبب الرئيسي في الأزمة الإنسانية في عدد من المناطق السورية، والتي كانت السبب في معاناة الأطفال والنساء في سوريا، وفي تحويل جزء من الشعب السوري إلى نازحين ولاجئين. هذه الآفة هي الإرهاب التكفيري العابر للحدود، المدعوم من دول معروفة على رأسها السعودية التي تعتبر الشريان الذي يمد الإرهابيين بترياق الشر.... آفة الاٍرهاب التي انفلتت من عقالها الوهابي، فضربت، بوحشية ودون تمييز في دمشق وبغداد وبيروت والكويت وسيناء، ووصلت إلى أبوجا ومالي وتونس وليبيا وعين اميناس في الجزائر، لا بل وعرّجت على سيدني وبوسطن وباريس ومدن أخرى.

وإذ ندين بأشد العبارات الأعمال الإرهابية التي ضربت باريس، ونعزي ذوي الضحايا الأبرياء؛ فإننا نذكّر بان هناك في هذه القاعة من منع مجلس الأمن، تسع مرات، من مجرد إصدار بيان صحفي يدين تفجيرات مماثلة استهدفت الأبرياء في دمشق وحلب ومدن أخرى في سوريا عشرات المرّات. وعليه، فإن المنطق السليم يقضي بأن ما شهدناه من أعمال إرهابية في كل هذه المدن وغيرها لم يأت من فراغ ولم يتمّ بالصدفة، وإنما هو نتيجة حتميّة لتجاهل البعض لأولويّة محاربة الإرهاب وعدم التعامل مع هذا الموضوع بالجديّة والاهتمام اللازميّن طالما أن هذا الإرهاب يضرب الأخرين، وهو نتيجة حتميّة لاستغلال البعض الأخر للإرهاب كسلاح سياسي للضغط على الحكومة السورية وابتزازها.

وقد حذرنا، منذ البداية، من أن من يلعب بنار الإرهاب أو يبررها أو يسكت عنها، سيكتوي بها عاجلاً أم آجلاً، لأن الإرهاب ظاهرة إجرامية متحركة لا تعبأ بالحدود ولا بالسيادة. وللأسف، لم تلقَ تحذيراتنا آذاناً صاغية، لا بل أدخلت بعض الدول، بخفة لا مثيل لها، الإرهاب إلى ميدان السياسة من أوسع الأبواب، وتلاعبت بالمصطلحات، فجعلت الإرهاب صنفان، إرهابٌ حلال وإرهابٌ حرام! وأضفت على بعض مرتكبيه صفة "المعارضة المعتدلة"، غير آبهةٍ بخطورة فِعلها هذا، وغير مدركة أنه: أن يكون لديك مشكلة سياسية مع الحكومة السورية فهو أمرٌ قابل للنقاش؛ أما أن تفرض العقوبات الاقتصادية والمالية على الشعب السوري وأن تدعم الإرهاب أو تكابر وترفض التنسيق مع حكومتها وجيشها في موضوع مكافحة هذا الارهاب العابر للحدود فهو فعلاً جريمة بحق شعوب بلدانك أنت بالذات، تماما كما هو جريمة بحق الشعب السوري، لأننا في سوريا نحارب، نيابة عن العالم، نفايات الإرهاب الآدمية؛ فكلما قتل الجيش السوري ارهابيا اجنبيا في سوريا فانه يحمي بذلك عشرات الأبرياء ممن يمكن أن يكونوا ضحايا محتملين لهذا الإرهابي عندما يرجع الى بلاده ليمارس إرهابه هناك. إن كل من يسعى لتشويه هذه الحقيقة الساطعة هو شريك في انتشار آفة الاٍرهاب وازدهارها، وبالتالي هو شريك ضمني في استمرار سقوط الضحايا من الأبرياء. وليتذكر الجميع أن الكثير من منفذي عدد من الهجمات الإرهابية في عدة دول في العالم، بما في ذلك هجمات باريس الدامية قبل أيام، كانوا أصلاً في عداد آلاف الأوروبيين الذين تمّ تسهيل ذهابهم إلى سوريا كـ"جهاديين"، بعد أن غُسلت أدمغتهم بفتاوى وأموال دول خليجية معروفة.... 

السيد الرئيس،

هناك صحوة متأخرة لدى البعض حول جسامة خطر الارهاب وأولوية مكافحته، صحوة دفعت برئيس دولة دائمة العضوية إلى الدعوة إلى تعديل دستور بلاده لمواجهة الإرهاب التكفيري. وهنا يجب أن تقترن الأقوال بالأفعال فيما يخص مكافحة الإرهاب في سوريا والذي يتم تمويله من مصادر في 40 دولة، إضافة إلى الحد من التجارة غير المشروعة بالنفط السوري والقطع الأثرية، عبر حدودنا مع تركيا، من قبل الإرهابيين... وهذا الأمر يتطلب إرادة سياسية جادّة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وعلى رأسها القرارات 2170 و2178 و2199 والتي أكد بيان فيينا الثاني على أهمية التقيّد بها. وهذا الأمر يتطلب، أيضاً، أن ننسق ونحشد جهودنا الجماعية في جبهة واحدة ضد الإرهاب، بعيداً عن عقلية هواة السياسة وصيادي الفرص الضائعة. وقد عبرت الحكومة السورية، غير مرّة، عن استعدادها للتعاون مع أيّ دولة تظهر جديّة في محاربة الإرهاب. وهذا ما تمّ، فعلاً من خلال الجهد العسكري الروسي- السوري المشترك لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى التنسيق الاستخباراتي الرباعي السوري- العراقي- الإيراني- الروسي؛ وهو الأمر الذي أسفر عن نتائج عملية على الأرض من حيث تقهقر المجموعات الإرهابية في أكثر من مكان وإعادة الأمن والأمان إلى مناطق واسعة في سوريا، مما سمح لمليون مواطن سوري بالعودة إلى بيوتهم..

السيد الرئيس،

إن الحديث عن مكافحة الارهاب يدفعني إلى الحديث عن الحل السياسي للازمة في سوريا، لأن محاربة الإرهاب بشكل جديّ وفعال ستسهم في إنجاح هذا الحلّ. لقد أكدت الحكومة السورية منذ البداية على جاهزيتها للمشاركة في أي جهد يهدف إلى تحقيق الحل السياسي، ومن هذا المنطلق تعاونا مع السيد كوفي عنان وقبلنا بخطته ذات النقاط الست، ثم تعاونا مع السيد الأخضر الابراهيمي وشاركنا في مؤتمر جنيف 2، وتعاونا مع السيد دي مستورا وقبلنا بمقترحه لتجميد القتال في حلب وكذلك أعلنا موافقتنا على المشاركة في مجموعات العمل الأربع التي اقترحها. إن رسالتنا السياسية إليكم اليوم، وبعد انتهاء أعمال اجتماعي مجموعة الدعم الدولية الخاصة بسوريا في فيينا، هي أن الحكومة السورية جاهزة للمشاركة في أي جهد صادق يهدف إلى الوصول إلى حل سياسي يقرر فيه السوريون مستقبلهم وخياراتهم عبر الحوار السوري-السوري وبقيادة سورية ودون تدخل خارجي وبما يضمن سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وهذا الأمر الذي اكدت عليه قرارات مجلس الامن ذات الصلة إضافة إلى بياني فيينا.

السيد الرئيس،

للأسف، جاء، من جديد، تقرير الأمين العام الأخير حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191، مسيساً ومنحازاً ومتضمناً العديد من الفجوات والمغالطات، وقد قمنا صباح اليوم بتوجيه رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام بهذا الخصوص. ولكنني أودّ الإشارة هنا إلى مسالة خطيرة في التقرير، وهي اعتماده على مصادر معلومات غير موثوقة ومشكوك بمصداقيتها ومعروفة الارتباطات مما يؤدي إلى تشويه الواقع وتضليل أعضاء مجلس الأمن والدول الأعضاء.

وحول ما ورد في التقرير من ادعاءات بان الحكومة السورية تستخدم أسلحة عشوائية، أؤكد بان الجيش السوري لا يستخدم ولن يستخدم أي أسلحة عشوائية وهو يتصرف، كغيره من جيوش الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقاً للقانون الدولي في إطار محاربة الارهاب. إن من يقتل المدنيين هو من يستخدمهم كدروع بشرية في عدد من المناطق في سوريا.

 

السيد الرئيس،

ختاماً، نؤكد على أن حديثنا المستفيض وتأكيداتنا المستمرة عن خطر الإرهاب وعن أهمية مكافحته، لا يجب أن يُفهم منها، أبداً، أننا لا ندرك أهمية مناقشة الوضع الإنساني في سوريا ووضع أطفالنا ونساءنا وشيوخنا؛ إلا أننا نرى أن هذا الأمر لا يجب أن يتم على حساب معالجة جوهر المشكلة، ولا يجب أن يخضع للتسييس والمعايير المزدوجة والتضليل. ونحن نناقش كل هذه القضايا بالتفصيل مع السيد أوبراين والسيدة زروقي والسيدة بنغورا، ونظمّنا لهم زيارات ميدانية إلى سوريا، بهدف معالجة أي مشاغل أو قضايا عالقة ذات صلة. وأرحب هنا بزيارة السيد أوبراين إلى سوريا في شهر كانون الأول القادم، كما أعرب عن استعدادنا للتعاون مع أصحاب النوايا الصادقة في مجلس الامن لتحسين الوضع الإنساني في سوريا.

                شكراً السيد الرئيس،