السيد الرئيس،
أشكر السيد أوبراين على إحاطته التي تقدم بها للتو.
السيد الرئيس السادة أعضاء مجلس الأمن الموقرين،
قال ألبيرت آينشتاين ذات مرةّ، واقتبس: "الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى، متوقعاً أن تحصل على نتيجةً مختلفةً"..... الآن وبعد مضي ما يقارب الستين عاماً على وفاة اينشتاين، يبدو أن بعض الحكومات لم تدرك، بعد، هذه الحقيقة وما زالت تصرّ على تكرار ارتكاب أخطائها وسوء حساباتها متوقعة كل مرة الحصول على نتائج مختلفة.
السيد الرئيس،
لقد ثبت أن التدخل الخارجي في شؤون الدول الداخلية لا يؤدي إلاّ إلى تدمير هذه الدول المستهدفة، وخلق أزمات إنسانية مفتعلة فيها، ونشر الفوضى والدمار، وتحويلها إلى مصانع لتفريخ المتطرفين والإرهابيين.... هذا بالضبط ما حدث عندما دمروا العراق وليبيا ودول أخرى، فجلبوا لنا "داعش" و"جبهة النصرة" و"خراسان" وغيرهم، وصار للإرهاب "دولة" و"خلافة" كما يحلو للبعض أن يقول... وعلى الرغم من ذلك مازالت ذات تلك الحكومات، التي خالفت منطق آينشتاين، تصرّ على تطبيق ذات الوصفة المسمومة في سوريا وتحت نفس الشعارات، وذلك على الرغم من أن الجميع قد أيقن فداحة هذا النهج التدخلي الهدّام، بما في ذلك مهندسو تلك التدخلات، فها هو رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، طوني بلير يخرج علينا مؤخراً، بعد اثني عشر عاماً على الغزو الأمريكي-البريطاني للعراق، ليعترف بانه قد تم غزو العراق بناء على معلومات خاطئة وكاذبة. والآن، وبعد مضي أربع عشرة سنة على الهجوم الإرهابي على مركز التجارة العالمي في نيويورك، نرى بأن الاستراتيجيات التي تم تبنيها في إطار الحرب على الإرهاب، قد خلقت المئات من "بن لادن" بدلاً من القضاء على "بن لادن" واحد.... وبدلاً من تنظيم "قاعدة" واحد في أفغانستان "أصبح لدينا عشرات التنظيمات التي تتبنى فكر "القاعدة" في العديد من بلدان العالم، لا بل أن الإرهاب قد وصل إلى عقر داعميه ومروجيه.....
السيد الرئيس،
لو نظرنا إلى الوضع الإنساني في سوريا لشاهدنا نفس الأمر، ألا وهو إصرار البعض على ممارسة نفس السياسات الخاطئة وتوقع الحصول على نتائج مختلفة. فالبعض يدعي أنه يريد حلّ الأزمة الإنسانية في سوريا؛ ولكنه مازال يرفض إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، ومازال يمضي في فرض اجراءاته الاقتصادية أحادية الجانب على الشعب السوري، ومازال ينكر دور الحكومة السورية ويرفض التنسيق معها فيما يخص تقديم المساعدات الإنسانية ومكافحة الارهاب..... الآن وبعد مضي خمس سنوات على بدء الأزمة، تبيّن للجميع فشل هذه السياسات في حل الأزمة الإنسانية، لا بل تبيّن أنها قد زادت من حدة هذه الأزمة ووسّعت معاناة الشعب السوري فأجبرت قسماً منه على اللجوء أو النزوح. إذاً يجب تغيير هذه المدخلات إذا أردنا فعلاً الحصول على نتائج مختلفة تؤدي إلى تحسين الوضع الإنساني في سوريا بشكل ملموس وحقيقي ومستدام. وبالتالي هناك عدد من الخطوات المطلوب اتخاذها في هذا الصدد:
الخطوة الأولى تتمثل في التركيز على معالجة السبب الرئيسي لنشوء هذه الأزمة ألا وهو بروز وانتشار ظاهرة الإرهاب المدعوم خارجياً، وذلك عبر تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الارهاب، خاصة القرارات 2170 و2178 و2199، وذلك بالتنسيق والتعاون الكامليّن مع الحكومة السوريّة. إن مكابرة البعض، ممن لا همّ لهم إلا التشهير بالحكومة السورية وبالرئيس السوري وبالجيش السوري، وتفضيلهم التعامل مع شيطان الإرهاب على التعامل مع الدولة السورية لمواجهة هذا الشيطان، هو حالة عبثية لا علاقة لها بقواعد التفكير والسلوك السليم ومبادئ العلوم السياسية والاستراتيجيا..... فهذه الحالة العبثية أدت إلى وجود عشرات الآلاف من الإرهابيين المرتزقة الأجانب الذين قدموا الى بلادي وإلى العراق من أكثر من 100 دولة، وذلك وفقاً للتقارير التسعة الصادرة عن لجنة مجلس الأمن المعنية بالقاعدة ولجنة مكافحة الارهاب التابعة للمجلس... وبالتالي فإن داعش وجبهة النصرة وأخواتهما لم يأتوا من الفراغ بل هناك من تبنى هؤلاء الإرهابيين ومولهم ودربهم وسهل تنقلهم عبر المطارات والحدود ومَنَحهم تأشيرات الدخول، وهناك من مكنهم من الاتجار بالنفط والغاز والأثار عبر وسطاء أتراك، هذا كله لا يسمى "معارضة سورية مسلحة من غير الدول"، هذا يسمى ارهاب دولي.
إذاً يجب وضع حد لممارسات حكومات بعض الدول التي مازالت تمول وتسلح وتدرب الإرهابيين. فلا يمكن الحديث عن إنهاء أوجاع وآلام السوريين وعن إنهاء الأزمة الإنسانية في سوريا في ظل السكوت عن استمرار تركيا والأردن في استخدام أراضيهما مقراً وممراً للإرهابيين المرتزقة الأجانب، وفي ظل تفضيل نظامي الحكم في السعودية وقطر وغيرهما دعم الإرهاب علناً بكل سخاء، على تمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي لم تزد نسبة تمويلها حتى الآن عن 37%، على الرغم من كل تلك المؤتمرات الاستعراضية التي عقدت هنا وهناك لهذا الغرض. هذا في حين أنفقت الولايات المتحدة نصف مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ يكفي لسد معظم العجز التمويلي في خط الاستجابة، على ما تسميه "برنامج تدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة"، والذي بقي منه خمسة أفراد فقط، لا بل أن جبهة النصرة الإرهابية قد استولت على المعدات والأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لهؤلاء.
السيد الرئيس،
إن الحديث عن مكافحة الارهاب يقودني إلى الخطوة الثانية المطلوبة لحل الأزمة الإنسانية، ألا وهي دعم الحل السياسي، لأن محاربة الإرهاب ستسهم في إنجاح هذا الحل الذي يجب أن يأتي عبر الحوار السوري-السوري وبقيادة سورية ودون تدخل خارجي وبما يضمن سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها..... هذا هو مضمون بيان جنيف وهذا ما أكدت عليه كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بسوريا، وقبل هذا وذاك، هذا ما يتفق مع أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي. وفي هذا الصدد أذكّر بان الحكومة السورية قد أعلنت من قلب الجمعية العامة وعلى لسان وزير خارجيتها، موافقتها على المشاركة في مجموعات العمل التي اقترحها المبعوث الخاص، السيد دي مستورا، وذلك من منطلق إيماننا بالحل السياسي الذي اتحدث عنه؛ إلا أن المشكلة مازالت تكمن لدى الأطراف الأخرى التي تصر على إفشال أي مسار سياسي وتراهن على التدخل الخارجي، تماماً كما كان عليه الحال مع مبادرة السيد دي مستورا بتجميد القتال في مدينة حلب كما تذكرون، وكما كان عليه الحال، قبل ذلك، في مؤتمر جنيف 2، وخطة كوفي عنان؛ ولكن، وعلى الرغم من ذلك، ما زال هناك من يقول، ظلماً وبهتاناً، بان الحكومة السورية ترفض الحل السياسي في الوقت الذي يتستر فيه،هذا البعض، على الجهات التي رفضت مبادرة السيد دي مستورا.
السيد الرئيس،
من جديد جاء تقرير الأمين العام الأخير حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191 ، وهو التقرير العشرون كما تعرفون، مسيساً ومنحازاً ومتضمناً العديد من الفجوات والمغالطات، وقد قمنا يوم أمس بتوجيه رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام بهذا الخصوص. ولكنني سأكتفي الآن بالإشارة، فقط، إلى أن التقرير أغفل استهداف طيران ما يسمى "التحالف" للمدنيين الأبرياء وللبنى التحتية في سوريا من طرقات وجسور ومصافي نفط ومدارس ومشافي.... هذه الهجمات التي لم يسلم منها حتى محطة الكهرباء غرب مدينة حلب، وهي المحطة الوحيدة التي تغذي مدينة حلب، ومركزاً للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة الرقة حيث دمرته وقتلت العشرات من نزلائه الأطفال الأبرياء، وكل ذلك تحت ذريعة استهداف داعش، علماً بانه على الرغم من مرور أكثر من عام على بدء ضربات هذا "التحالف"، شهدنا زيادة في أعداد ارهابيي داعش المستقدمين من الخارج وتوسعاً في مناطق نفوذهم. والمثير للتساؤل هنا هو أن التقرير ذاته قد لجأ إلى تقارير تضليلية مجهولة المصدر وعديمة المصداقية ولا تهدف إلا إلى الصيد في الماء العكر والتشويش على الجهد المشترك الروسي- السوري في استهداف ارهابي "داعش" و"جبهة النصرة" وباقي التنظيمات الإرهابية، وذلك بناء على طلب الحكومة السورية، ووفقاً لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي أدى إلى تقهقر المجموعات الإرهابية في أكثر من مكان واندحارهم من العديد من المناطق التي يسيطرون عليها.
السيد الرئيس،
ختاماً، أود أن أشير الى أن مصطلح "المجموعات المسلحة المعارضة من غير الدول" هو فضيحة بحد ذاتها، لأن خارطة الارهاب في سوريا تناقض هذا الكلام، كما تناقض تقاريركم أنفسكم. ما يصفه التقرير بأنه "جماعات معارضة مسلحة من غير الدول" في حلب هو "جيش الفتح" الذي أنشأته تركيا، ويضم جبهة النصرة، وأحرار الشام التي أعلنت انضمامها لتنظيم القاعدة، و"جيش الاسلام" الذي ينشط في ريف دمشق تموله السعودية، ويضم شيشانيين وقوقازيين وأيغوريين، وورائه تنظيم داعش الارهابي، "لواء اليرموك" الذي تموله غرفة عمليات "الموك" في الأردن يضم 8 آلاف سلفي أردني، وآلاف الارهابيين الوهابيين السعوديين وغيرهم، المعارضة المسلحة غير الحكومية في منطقة الفصل في الجولان هي "جبهة النصرة" والتي تضم في صفوفها الكثير من المرتزقة الأجانب، وتساعدها اسرائيل، وقامت بمهاجمة قوات الاندوف وخطفت حفظة سلام من الفيجيين والفيلبيين كما تعرفون جميعاً. كل هذا يختصره تقرير الأمين العام باسم "مجموعات معارضة مسلحة من غير الدول"، أليس هؤلاء مرتزقة أجانب؟ .
شكراً السيد الرئيس.