United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191 الخاصة بالوضع الإنساني في سوريا

الاثنين, 29 (حزيران (يونيو 2015
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

 

السيد الرئيس،

ما يزال البعض في هذه المنظمة الدولية، وبعد إصدار الأمين العام لستة عشر تقريراً حول تنفيذ قرارات مجلس الأمن الثلاث ذات الصلة بالوضع الإنساني في سوريا، يتعاملون مع هذا الوضع المؤلم بمعزل عن خلفيات التدخل السياسي والعسكري والاقتصادي الخارجي في المشهد السوري. ولعل عبثية هذا المشهد تصل إلى حدودها القصوى عندما يضع هذا البعض أنفسهم في منزلة الخصم والحكم في آنٍ معاً، إذ أنه أضحى جلياً للقاصي والداني أن العديد ممن يتباكون على آلام الشعب السوري هم في حقيقة الأمر المسببون الرئيسيون لهذه الآلام، فاللعب الآن على المكشوف، كما يقال، وكل ما يجري من سفك لدماء السوريين في الشمال وفي الجنوب، منسق مع هجمات غرف عمليات عسكرية استخباراتية في الأردن وتركيا.

إن هذا الواقع يثبت عدم صوابية ومصداقية النهج الذي اتبعه البعض منذ بداية الأزمة في التعامل مع الأزمة في سوريا، بشكل عام، ومع الملف الإنساني بشكل خاص.

  • فأن يكون لديك تصفية حسابات سياسية مع الحكومة السورية شيئ وأن تتخذ إجراءات قسرية مرفوضة دولياً ضد الشعب السوري هو شيئ أخر.....
  •  وأن تختلف مع الحكومة السورية شيئ وأن تنكر دورها في حماية شعبها وصيانة سيادة واستقلال البلاد ووحدة أراضيها، وأن ترفض التنسيق معها في مكافحة الارهاب وتقديم المساعدات الإنسانية هو شيئ أخر....
  • أن ترى الواقع وتتعامل معه كما هو، وفقاً لأحكام الميثاق وقواعد القانون الدولي، شيئ وأن تكون مهووساً بكيل الاتهامات الباطلة للحكومة السورية والتدخل الهدّام في الشأن الداخلي السوري شيئ أخر....
  • أن تتعامل مع النتائج الكارثية للأزمة الإنسانية في سوريا شيئ، وأن تتجاهل الأسباب الجذرية لهذه الأزمة وتنشغل بأمور هامشية شيئ أخر تماماً.

السيد الرئيس،

من نافلة القول أن تحسين الوضع الإنساني في سوريا بشكل ملموس وحقيقي يستتبع التخلي عن ذلك النهج الخاطئ الذي تحدثت عنه للتو، فلا يمكن الحديث عن إنهاء أوجاع وآلام السوريين وعن إنهاء الأزمة الإنسانية في سوريا في ظل السكوت عن استمرار تركيا والأردن في استخدام أراضيهما مقراً وممراً للإرهابيين المرتزقة الأجانب، وفي ظل تفضيل نظامي الحكم في السعودية وقطر وغيرهما دعم الإرهاب بكل سخاء وتسميته بـ "الثورة"، على تمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي لم تزد نسبة تمويلها حتى الآن عن 25%؟.

كيف يمكن تحسين الوضع الإنساني في البلاد في ظل حقيقة أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وفقاً لصحفية الواشنطن بوست، تنفق سنويا مليار دولار على تدريب الإرهابيين، في معسكرات في الأردن وقطر وتركيا والسعودية وبعض الدول الأوروبية، لتشكيل جيش قوامه 10 آلاف إرهابي "معتدل"؟. طبعاً هذا الكلام لم يرد في تقرير الأمين العام ولن يرد.

لقد نسب رعاة الإرهاب للدولة السورية كل عمل شائن على الأرض، وفبركوا شهود الزور وعقدوا المؤتمرات والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية داخل الأمم المتحدة وخارجها، وكان اخر هذه الاجتماعات الاجتماع غير الرسمي الذي عقد بصيغة "Arria Formula" قبل يومين والذي نظمه الوفدين الفرنسي والاسباني، لتشويه صورة الحكومة السورية. ولكنهم تعمدوا إهمال دور العصابات المسلحة التي نشروها في ربوع سوريا تمارس القتل والذبح والنهب والتطهير العرقي والديني، وتجاهلوا قيام هذه العصابات بالمذابح والمجازر بحق المدنيين قبل كل جلسة من جلسات مجلس الأمن حول سوريا، وأجروا المقابلات الإعلامية مع أمراء الحرب التكفيريين الارهابيين ومع مسلحين من حملة السواطير والسيوف وآكلة الأكباد والقلوب وأسبغوا عليهم الشرعية وقدموهم في إعلامهم كثوريين، وستروا ما ستروا من ذبح ودم واغتصاب وسبي وتفجير وقطع رؤوس... لقد تجاهلوا قذائف الحقد العشوائي التي تنهال يومياً على رؤوس المدنيين في دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية فقتلت الآلاف من الأبرياء!

السيد الرئيس،

لقد أثبتت الوثائق السعودية التي سربها موقع ويكيليكس حديثاً أن تركيا وقطر والسعودية قد عملوا منذ الشهور الأولى للأزمة في سوريا على عسكرة الوضع عبر تقديم المال والسلاح والدعم للمجموعات الإرهابية.... واسموه "الربيع العربي" ثم "الحراك السلمي" ثم بـ "المعتدلين". كما كشف موقع ويكيليكس أن أنظمة هذه الدول الثلاث تحديداً قد شكلت لجنة عسكرية مشتركة لهذا الغرض. وقد يكون من المفيد لبعض الزملاء في هذا المجلس أن يطلعوا على مضمون البرقية الموجهة من السفير السعودي في لبنان إلى عاصمته في 1 آذار 2012، أي في السنة الأولى للأزمة في سوريا، حيث كانت بعض الوفود في هذا المجلس تروج إلى أن ما يجري في سورية هو محض "حراك ربيعي سلمي" لا غير. واقتبس بعض ما جاء في هذه البرقية السعودية على لسان السفير السعودي: "يجب مواصلة دعم المقاومة السورية المسلحة عبر تقديم رواتب عالية لكل مجند ينشق عن الجيش النظامي، وتقديم اسلحة تكافئ ما لدى النظام، ودعم الدول المجاورة لسوريا ولا سيما الاردن، وايضا تقديم دعم مالي للفئات السكانية القاطنة قريباً من الحدود السورية في كل من لبنان والعراق لكي يسهموا في تشكيل بيئة متعاطفة مع الثورة السورية" انتهى الاقتباس.

وقبل تسريب الوثاق السعودية، أماطت الصحافة التركية اللثام عن فيديوهات تثبت تورط نظام أردوغان في تهريب الأسلحة إلى سوريا ضمن قوافل كان من المفترض أنها تحوي مساعدات طبية، وهي قوافل، بالمناسبة، عبرت المعابر التي طلبتها أوتشا عند اعتماد القرار 2165، وطلبنا حينها ضمانات ولكن الأوتشا لم تلتزم بالنسبة لآلية المراقبة وجنسيات المراقبين، وها هو نظام أردوغان يرسل الأسلحة بدلاً من المساعدات الطبية عبر المعابر التي تستخدمها الأمم المتحدة. وقد أكد القاضي عزيز تاكتشي، وهو أحد القضاة الأربع الذين اعتقلهم نظام أردوغان إثر هذه الفضيحة "أن أكثر من ألفي شاحنة نقل محملة بالقذائف والصواريخ والقنابل قد أرسلت الى سوريا". وها هي رئيسة "حزب الشعوب الديمقراطي" التركي تؤكد بأن المذبحة التي جرت في مدينة عين عرب (كوباني) الأسبوع الماضي والتي راح ضحيتها عشرات الأشخاص، قد جاءت نتيجة سنوات من دعم الحكومة التركية لمتشددي داعش. لا بل أن مقاتلي داعش قد دخلوا إلى عين عرب عبر الأراضي التركية.

وقبل هذه الفضائح سالفة الذكر، كانت تقارير الأمم المتحدة نفسها قد كشفت أن هناك تهريباً للسلاح من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا ولبنان. وقبل هذا وذاك، كنا قد وافينا الأمين العام ومجلسكم الموقر بكل الوثائق والمعلومات التي تثبت تورط تركيا وقطر والسعودية في تهريب السلاح وتسهيل دخول الإرهابيين إلى سوريا؛ إلا أننا واجهنا إنكاراً فاضحاً من قبل البعض في هذا المجلس. ولكن، مع مرور كل يوم، تتبدى وجاهة وصدقية ما دأبنا على قوله منذ بداية الأزمة سواء داخل هذا المجلس أو خارجه الى أن وصلت جرائم الارهاب الى عقر دار منكري وجوده في سوريا.

السيد الرئيس،

أؤكد بأن الحكومة السورية مستعدة للتعاون مع جميع أصحاب النوايا الصادقة في مجلس الأمن لتحسين الوضع الإنساني في سوريا، وذلك على الرغم من إدراكنا أن البعض في هذا المجلس قد ذهب بعيداً في دعمه للإرهاب فكان جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل. هذا البعض ذاته يتعامل مع مبادئ حقوق الإنسان وحماية ومساعدة المدنيين كأداة ضاغطة لتصفية حساباته السياسية لا غير. وللدلالة على نفاق وازدواجية هذه الدول في التعامل مع هذه المبادئ النبيلة، تكفي الإشارة إلى أنها لم تكتف بالتغطية على دعم النظام السعودي للإرهاب في سوريا، بل وصل الأمر بها إلى التغطية على جرائم الحرب السعودية في اليمن ومنعها لوصول المساعدات الإنسانية مما يتسبب بمجاعة واسعة النطاق هناك خاصة في شهر رمضان. لقد منع النظام السعودي حتى طائرات الصليب الأحمر من نقل مساعدات طبية إلى اليمن. وعلى الرغم من كل ذلك لم نرى بعض الدول التي تنصب نفسها راعياً لحقوق الإنسان وحماية المدنيين في سوريا، تنبت ببنت شفا لإدانة هذه الممارسات السعودية بينما لا تفوت فرصة لعقد اجتماعات طارئة وأحداث جانبية مفتعلة ولكيل الاتهامات الباطلة للحكومة السورية التي وقعت ست خطط استجابة إنسانية مع الأمم المتحدة بما مكنها من تقديم مساعدات إنسانية إلى ما يقارب 10,5 مليون سوري خلال الأشهر الثلاث الأخيرة. وطبعاً تقرير الأمين العام لم يأت على كلمة واحدة لما تقدمه الحكومة السورية من مساعدات وتسهيلات للأمم المتحدة، وكأنه لا توجد حكومة سورية تيسر عملها وتحمي عامليها.  

السيد الرئيس،

ختاماً، اننا في سوريا نحارب الاٍرهاب نيابة عن الإنسانية جمعاء... فكلما قتل الجيش السوري ارهابيا اجنبيا في سوريا فانه يحمي بذلك عشرات الأبرياء ممن يمكن أن يكونوا ضحايا محتملين لهذا الإرهابي عندما يرجع الى بلده ليمارس إرهابه هناك... إن كل من يسعى لتشويه هذه الحقيقة الساطعة هو شريك في انتشار آفة الاٍرهاب وازدهارها... آفة الاٍرهاب التي أدى صمود سوريا في وجهها الى اعتماد مجلس الأمن لثلاثة قرارات هامة تحت الفصل السابع خاصة بمكافحة تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية. وعلى الرغم من عدم تنفيذ هذه القرارات وعلى الرغم من تامر الكثيرين ضدنا، فإننا سنستمر في حربنا على الاٍرهاب لحماية شعبنا ولتخليص العالم من هذه الآفة التي انفلتت من عقالها، فضربت في دمشق وبغداد، وامتدت الى أبوجا وتونس، وعرّجت على الكويت وباريس، ووصلت الى سيدني وبوسطن... فأفيقو قبل أن تندموا وقت لا ينفع الندم.

أخيراً، إن حكومتي تبذل كل ما بوسعها من أجل إنهاء الأزمة في سوريا عبر الوسائل السلمية التي أقرها مجلس الأمن والتي وافقت عليها الحكومة السورية بطبيعة الحال، وستستمر في هذه المساعي للوصول إلى حل سياسي سلمي بقيادة سورية ودون تدخل خارجي في الشأن الداخلي السوري.