United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و 2191 و2258 الخاصة بالوضع الإنساني في سوريا

الأربعاء, 24 (شباط (فبراير 2016
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

السيد الرئيس،

وصف السيد أوبراين الوضع في بلادي بأنه يتسم بالوحشية، وأنا أتفق معه تماماً، ولكنني اختلف معه في توصيف مظاهر هذه الوحشية وأسبابها. ولذلك سأحاول في بياني أن أسلط الضوء على حقيقة تلك الوحشية التي تسفك دماء الناس في بلادي وتدمر البنية التحتية وتستجلب شتات المرتزقة والإرهاب من كافة أرجاء العالم الى بلادي، وهي بالطبع عملية وحشية تساهم فيها حكومات دول أعضاء في هذه المنظمة الدولية وبعضهم أعضاء في هذا المجلس الكريم.

السيد الرئيس،

من المؤسف حقاً أنه وعلى الرغم من مضي ما يقارب الخمس سنوات على بدء الأزمة في بلادي، سوريا، مازالت بعض الحكومات تصرّ على استخدام الشأن الإنساني في سوريا لتحقيق غايات سياسية ضيقة، وكأن معاناة الشعب السوري هي عبارة عن أرقام واحصاءات ومجرد سلعة للاتجار والابتزاز السياسي من قبل هذه الحكومة أو تلك. ولعل حجم النفاق والاستخدام السياسي الرخيص للمعاناة الإنسانية، يظهر بوضوح في كيفية تعامل تلك الدول مع الوضع الإنساني في سوريا مقارنة بتعاملها مع الوضع الإنساني في دول أخرى، فقد اعتمد مجلس الأمن منذ بداية الأزمة وحتى الآن 15 قراراً من بينها أربعة قرارات خاصة بالوضع الإنساني في سوريا وعقد، سنوياً، عشرات الجلسات الرسمية والأحداث الجانبية التي كادت أن تصبح شبه يومية، في حين لم نشهد اعتماد أي قرار أو طلب لعقد جلسات أو اجتماعات طارئة لمناقشة الأوضاع الإنسانية الكارثية في فلسطين أو ليبيا أو الصومال أو اليمن مثلاً، على الرغم من أن السيد أوبراين نفسه قد اوضح في أحد اجتماعات مجلس الأمن بأن الوضع الإنساني في اليمن هو أسوأ عما هو عليه في سوريا بكيثر، حيث أن أكثر من 80% من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

السيد الرئيس،

إننا، كحكومة في الجمهورية العربية السورية، لا ننكر بأن هناك أزمة إنسانية في سوريا، وأن هناك نازحين ومهجرين ومتضررين، وهم بالملايين، ولكننا نستهجن الطريقة الخاطئة للتعامل مع هذه الأزمة منذ بدايتها وحتى الآن؛ ونستغرب النظر إليها بطريقة جزئية بمعزل عن خلفيات التدخل السياسي والعسكري والاقتصادي الخارجي في المشهد السوري كما يعرف الجميع. نحن، إذاً، لا ننكر عمق الأزمة الإنسانية، ولكننا نرفض أن يتم التعامل معها دون الانخراط بشكل جدي في معالجة علة وسبب هذه الأزمة ألا وهو بروز وانتشار المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة خارجياً وانتشارها في الأحياء والقرى والمدن واتخاذها من المدنيين هناك دروعاً بشرية، وقد اسمى السيد أوبراين هذه المجموعات الإرهابية المدعومة خارجياً والتي دخلت الأحياء المدنيين واتخذت المدنيين دروعاً بشرية، اسماها بـ"المجموعات المسلحة من غير الدول" . والدليل على ذلك هو أننا لم نشهد أي أزمة إنسانية، إلا في المناطق التي دخلتها هذه المجموعات. وما زاد الطين بلة، هو فرض بعض الدول لإجراءات قسرية أحادية الجانب على الشعب السوري مما زاد في معاناتهم وأضاف على تلك المعاناة معاناة. ومن غير المفهوم في هذا السياق، إصرار البعض على إنكار دور الحكومة السورية، ومحاولة إظهارها بمظهر المسؤول الأول والأخير عن الأزمة الإنسانية. ولعل عبثية هذا المشهد تصل إلى حدودها القصوى عندما يتهم البعض الحكومة السورية بمحاصرة بعض المناطق وتجويع شعبها؛ إلا أنهم يقفون قاصرين عن تفسير كيفية استمرار تدفق الإرهابيين والأسلحة والأموال إلى هذه المناطق التي يُدعى بانها محاصرة من الحكومة؟ ومن ثمّ استخدام هذه الأسلحة لشن هجمات صاروخية عشوائية على الاحياء المدنية وتنفيذ تفجيرات انتحاريّة في الأماكن الآمنة، كما حدث مؤخراً في حمص ودمشق والحسكة والقامشلي. والحقيقة هي أن هذه المناطق، إما أنها محاصرة من الخارج من قبل المجموعات الإرهابية مثل "دير الزور" و"كفريا" و"الفوعة"، وكما كان عليه الحال لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ونصف في "نبل" و"الزهراء"، أو أنها مناطق محاصرة من الداخل من قبل الإرهابيين مثل المعضمية ومضايا ودوما وغيرها، حيث يمنع الارهابيون دخول المساعدات الإنسانية أو يستولون عليها لاستخدامها أو إعادة بيعها للمدنيين، ولذلك فإننا لم نر صوراً لما يسمى بـ "الارهابيين المعتدلين" وهم يتضورون جوعاً..... هل رأيتم صورة على إحدى وسائل الاعلام لارهابي جائع... فقط المدني يجوع، بقدرة قادر، ولأن الدولار والسلاح يصل إلى الإرهابي من كافة أنحاء العالم، فهو لا يجوع... فقط المدني يجوع..

السيد الرئيس،

لقد أمسى واضحاً أن تحسين الوضع الإنساني في سوريا بشكل ملموس وحقيقي ومستدام، يستتبع تخلي الحكومات عن هذا النهج الخاطئ الذي ثبت فشله المرة تلو الأخرى وعلى مدى ما يقارب الخمس سنوات...فكيف يمكن إنهاء الأزمة الإنسانية في سوريا في ظل السكوت عن قيام نظام أردوغان بالاعتداء عسكرياً على الأراضي السورية دعماً للإرهابيين علناً؟! واستخدامه للأراضي التركية مقراً وممراً لعشرات آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب، بما في ذلك عبر المعابر التي تستخدمها الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية، هذا إضافة إلى مواصلة هذ النظام مدّ الإرهابيين بالأسلحة، لا بل أنه يستخدم قوافل المساعدات الإنسانية للتغطية على هذا الأمر، ويزج في السجون التركية من يفضح ذلك من ضباط جمارك وقضاة وصحفيين أتراك. كيف يمكن إنهاء الأزمة الإنسانية ونظام أردوغان يستخدم، بكل صلافة، محنة اللاجئين أداة لابتزاز الدول الأوروبية لانتزاع الدعم المالي والسياسي للسكوت عن تجاوزاته إزاء سوريا والسوريين؟!. وللأسف وعلى الرغم من كل ذلك مازالت بعض الدول في مجلس الأمن تقدم الغطاء لنظام أردوغان، فمنذ أيام قليلة فقط رفضت هذه الدول، حماية لهذا النظام الأرعن، مشروع قرار متوازن يؤكد على سيادة سوريا ووحدة أراضيها ويرفض التدخل الخارجي في شؤونها ويطالب بوضع حد لتدفق الإرهابين الأجانب، وهي كلها، كما تعرفون، مبادئ توافقية لا يمكن لأحد التنكر لها وهي مذكورة في كل قرارات المجلس المتعلقة بسوريا، لا بل أن البعض، وبعد اعتماد 15 قرار في مجلس الأمن تتعلق بسوريا، مازال يجتهد في معرض تحديد جنس الملائكة، وكأنه يحتاج إلى خمس سنوات أخرى لقراءة ما يجري في سوريا بطريقة حصيفة.

السيد الرئيس،

إن الحكومة السورية هي الأحرص على تقديم كافة أنواع المساعدات الإنسانية لكل السوريين المتضررين من الأزمة أينما تواجدوا على كامل الأراضي السورية، وهذا واجب عليها وهي ملتزمة به؛ ولذلك فإن الحكومة السورية منفتحة على التعاون والتنسيق مع كافة الدول ومنظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية العاملة في سوريا للقيام بذلك، بما في ذلك الأوتشا. وبعيداً عن البروباغاندا ومحاولات شيطنة الحكومة السورية، تثبت الوقائع على الأرض أن الحكومة تبذل كل جهدها لإيصال المساعدات إلى مواطنيها أينما تواجدوا. وتأكيداً على ذلك فقد أعلمت الحكومة السورية الأمم المتحدة بتاريخ 16 شباط الجاري بموافقتها على إدخال قوافل مساعدات إنسانية مشتركة إلى كل من "دير الزور" و"كفريا" و"الفوعة" و"مضايا" و"المعضمية" و"الزبداني" و"كفر بطنا". وتأتي هذه القوافل استمراراً لقوافل أخرى تمّ تسييرها مؤخراً إلى هذه المناطق وإلى مناطق أخرى، واستمراراً لنهج الحكومة السورية بتسهيل إيصال المساعدات إلى كل المحتاجين أينما كانوا في سوريا، وهو الأمر الذي أكده السيد وزير الخارجية والمغتربين للسيد دي مستورا خلال لقائه الأخير به في دمشق. أما التأخر في إعطاء الموافقات وتنفيذها والتي وصفها السيد أوبراين بالممارسات البيروقراطية، فإن ذلك يعزى إلى ضرورة ضمان أمن وسلامة العاملين في المجال الإنساني، وهو الأمر الذي تحرص عليه الحكومة السورية حيث أنها لا تريد أن يحدث مكروه لهم، كأن يقدم أحد الإرهابيين على تفجير نفسه في أحد قوافل المساعدات الإنسانية وعندها سنعود إلى المجلس ونستمع إلى كلام أخر وتوصيف مختلف لما يجري.

السيد الرئيس،

إن حل الأزمة في سوريا له مساران متلازمان هما: مسار مكافحة الإرهاب، والمسار السياسي. وانطلاقاً من ذلك فإن الحكومة السورية ملتزمة بمحاربة الإرهاب ودفع المسار السياسي قدماً، حيث شارك وفد الجمهورية العربية السورية في محادثات جنيف وأبدى جدية والتزاماً بهذه المحادثات، بشهادة المبعوث الخاص السيد دي مستورا نفسه؛ إلا أن المشكلة كانت بفرض بعض الدول لما يسمى "وفد الرياض" كمحاور وحيد، وقدوم هذا الوفد إلى جنيف بشروط مسبقة وبهدف وحيد هو إفشال المحادثات بتعليمات مباشرة من المشغلين، هذا إضافة إلى ما شاب هذه المحادثات من فجوات إجرائية كبيرة، كررت ما كان قد حصل مع السيد الابراهيمي في محادثات جنيف 2، خاصة ما يتعلق بتمثيل كافة أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج وعدم تقديم قائمة بالتنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذي أدى، كما تعلمون، إلى فشل جولة جنيف الأخيرة...

واليوم تثبت الحكومة السورية جديتها مرة أخرى، وحرصها على وقف سفك الدم السوري وإعادة الأمن والاستقرار تنفيذا للإرادة الشعبية للسوريين في وحدة سورية أرضا وشعبا، وذلك من خلال إعلانها قبول وقف الأعمال القتالية على أساس استمرار الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب ضد "داعش" و"جبهة النصرة" والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها وبتنظيم القاعدة وفقا للإعلان الروسي الأميركي المشترك. ولضمان نجاح تنفيذ وقف الأعمال القتالية في الموعد المحدد، تؤكد الحكومة السورية من هذا المنبر استعدادها لاستمرار التنسيق مع الجانب الروسي لتحديد المناطق والمجموعات المسلحة التي سيشملها وقف الأعمال القتالية طيلة مدة سريانه. وفي هذا الصدد نشدد على أهمية ضبط الحدود، وأكرر ضبط الحدود... ثم ضبط الحدود... ثم ضبط الحدود، وخاصة الحدود التركية السورية، ووقف الدعم الذي تقدمه بعض الدول إلى المجموعات المسلحة ومنع هذه التنظيمات من تعزيز قدراتها أو تغيير مواقعها وذلك تفاديا لما قد يؤدي لتقويض هذا الاتفاق. كما تتمسك الحكومة السورية بحق قواتها المسلحة بالرد على أي خرق تقوم به هذه المجموعات الارهابية ضد المواطنين السوريين أو ضد قواتها المسلحة.

وعليه، فإن الكرة، من جديد، في ملعب الأطراف الأخرى التي تتدخل في الشأن الداخلي السوري وما زالت تراهن على دعم الإرهاب والتصعيد العسكري والتدخل الخارجي وتقويض الحل السياسي عبر فرض شروط مسبقة غير مقبولة من قبل الشعب السوري......