السيد الرئيس،
يسعدني أن أتقدم لكم ولبلدكم الصديق بالتهنئة على توليكم رئاسة المؤتمر العاشر لاستعراض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وكلنا ثقة بأن خبرتكم الدبلوماسية ستُسهم في إدارة أعماله بنجاح. كما وينضم وفد بلادي إلى بيان دول حركة عدم الانحياز الذي أدلى به نيابة عنها المندوب الدائم لأذربيجان الموقر.
السيد الرئيس،
في كل مرة، ينعقد فيها مؤتمر استعراض هذه المعاهدة نكون أمام فرصة هامة لإجراء تقييم شامل وعميق لهذه المعاهدة البالغة الأهمية، والتي مضى على دخولها حيز النفاذ ما يزيد على خمسين عاماً.
إن الجمهورية العربية السورية إلى جانب جميع الموقعين الأوائل على هذه المعاهدة قد أدركوا على نحوٍ مبكر خطورة التهديدات الناشئة عن السعي إلى امتلاك وتطوير الأسلحة النووية على السلم والأمن الإقليمي والدولي، خاصةً بعد استخدامها المأساوي في هيروشيما وناغازاكي في العام 1945. واليوم نواجه جملة من التساؤلات التي يتوجب على مؤتمرنا هذا التعامل معها: هل المخاوف من وقوع تهديد نووي موجودة أم لا؟ وهل نجحت الدول الأطراف في تنفيذ المعاهدة على نحوٍ متوازنٍ وغير تمييزي؟ والسؤال الأهم بالنسبة لنا في منطقة الشرق الأوسط، لماذا لم يتم تنفيذ قرار العام 1995 حتى الآن والذي يقضي بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، رغم مرور أكثر من خمسٍ وعشرين عاماً؟
السيد الرئيس،
إن الجمهورية العربية السورية ملتزمة بأحكام المعاهدة، وتُؤمن بأن مصداقية هذه المعاهدة تقوم على الإعمال المتوازن للركائز الأساسية الثلاث التي قامت عليها، وتنفيذها بنفس القدر من الأهمية. كما تُشدد على أهمية نزع السلاح النووي بشكلٍ كاملٍ وشاملٍ وقابل للتحقق، مستذكرةً هنا الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في عام 1996 والقاضي بعدم مشروعية استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية.
السيد الرئيس،
إن التمديد اللانهائي للمعاهدة جاء نتيجة الاتفاق على حزمة قرارات متكاملة تم التوصل إليها بتوافق الآراء خلال مؤتمر الاستعراض لعام 1995، والتي كان من ضمنها تبني قرار يدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
لقد عملت الجمهورية العربية السورية بإخلاص من أجل تنفيذ هذا القرار، فبادرت خلال عضويتها في مجلس الأمن إلى تقديم مشروع قرار في العام 2003 لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن تلك المبادرة تم إجهاضها من قبل دولة نافذةٍ في المجلس. كما انضمت سورية لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2013 طوعاً وبحسن نيّة وكخطوة منها نحو إنشاء هذه المنطقة.
في الوقت الذي أَبدت فيه جميع دول منطقة الشرق الأوسط استعدادها لاتخاذ خطوات عمليّة نحو إنشاء تلك المنطقة، واصلت إسرائيل تحديها للمجتمع الدولي من خلال رفضها الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار كطرف غير حائز، وإخضاع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يجعلها تمثّل تهديداً للسلم والأمن الإقليمي والدولي، وينال من مصداقية وعالمية معاهدة عدم الانتشار.
إن الرفض الإسرائيلي المستمر يستند إلى دعمٍ مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين الذين لم يكتفوا بذلك، بل انتهكوا أيضاً التزاماتهم بموجب المادة الأولى من المعاهدة، إذ قاموا -وعلى مدى عقود- بتزويد إسرائيل بالتكنولوجيا النووية المتطوّرة التي ساعدتها على بناء قدرات عسكرية نووية.
لقد ساهمت المرونة التي أظهرتها دول منطقة الشرق الأوسط خلال مؤتمر الاستعراض لعام 2010 في إقرار خطوةٍ عمليةٍ لتنفيذ قرار الشرق الأوسط لعام 1995، وذلك من خلال الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة والدول الثلاث مقـدمي القـرار آنف الذكر، وبالتـشاور مـع دول المنطقـة، عقـد مـؤتمر في عـام 2012 تحـضره جميـع دول الـشرق الأوسـط، بـشأن إنـشاء منطقة خالية من الأسلحة النوويـة وجميـع أسـلحة الـدمار الـشامل الأخـرى في الـشرق الأوسـط. لكن وللأسف، لم يتم عقد هذا المؤتمر بسبب سياسة المماطلة والـمناورة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية إرضاءً لإسرائيل. وتجلت هذه المراوغة السياسية بكل وضوح خلال مؤتمر الاستعراض لعام 2015، عندما أعاقت مع دولتين حليفتين لها اعتماد مشروع الوثيقة الختامية له، وذلك على الرغم من كل الجهود الكبيرة والمبادرات الهامة التي قدمتها بعض الدول وفي مقدمتها الاتحاد الروسي.
وإزاء حالة الاستعصاء التي واجهت تطبيق قرار الشرق الأوسط لعام 1995، وكخطوة لكسر حالة الجمود، جاء اعتماد الجمعية العامة للمقرر رقم 546/73، الذي عَهَد إلى الأمين العام بمهمّة عقد مؤتمر يهدف إلى صياغة معاهدة ملزمة قانوناً لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة جاءت من خارج معاهدة عدم الانتشار، إلا أنها حظيت بدعم جميع دول المنطقة، لكن إسرائيل رفضت وما تزال الانخراط في هذا المسعى. والمؤسف أيضاً هو مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية له، على الرغم من أنها دولة وديعة لمعاهدة عدم الانتشار، وإحدى الدول الثلاث الراعية لقرار الشرق الأوسط لعام 1995.
إن الجمهورية العربية السورية تؤكّد على أن إنشاء هذه المنطقة هو جزء لا يتجزأ من التزامات الدول الأطراف بموجب المعاهدة، وتطالب بتنفيذ هذا الالتزام بشكل كاملٍ. وتؤكّد على أن قرار الشرق الأوسط لعام 1995 سيبقى نافذاً إلى حين تحقيق أهدافه وغاياته وتنفيذه كاملاً، وتعتبر أيضاً أن وضع خطواتٍ جادّة لتنفيذه هو معيار أساسي لنجاح هذا المؤتمر.
السيد الرئيس،
تشدد الجمهورية العربية السورية على حق الدول الأطراف الثابت وغير القابل للتصرّف في الحصول على التكنولوجيا النووية واستخدامها في مختلف التطبيقات السلميّة، وتطالب بضرورة الالتزام بتنفيذ أحكام المادة الرابعة من المعاهدة بشكل متوازن ودون تمييز. ولهذا دعونا نؤكد في هذا المؤتمر على التزامنا التام بتطبيق هذا المبدأ الذي نصّت عليه المعاهدة.
إن بلادي تدعم أيضاً دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية المنصوص عليه في نظامها الأساسي، وأحكام المادة الثالثة من المعاهدة، وتشدّد على ضرورة تحقيق التوازن بين الأنشطة الرقابية للوكالة، وأنشطتها الأخرى المتعلقة بنشر التقنيات النووية وتطبيقاتها السلمية، وتُنبّه بلادي إلى ضرورة التمييز بين الإجراءات الملزمة قانوناً والأخرى الطوعية وعدم الخلط بينهما.
تطالب الجمهورية العربية السورية بعدم إخضاع مسائل التعاون والمساعدات الفنية التي تقدمها الوكالة إلى الدول الأطراف لأي قيود سياسية أو اقتصادية تتعارض وأحكام النظام الأساسي للوكالة. كما تدين في هذا المجال الإجراءات القسرية اللاشرعية أحادية الجانب التي تفرضها الدول الغربية ضد بلادي وبلدانٍ أخرى، والتي تُعيق وصول المساعدات الفنية اللازمة للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وخاصة في المجالات الصحية وعلاج أمراض السرطان، مما يُؤثر سلباً على حياة شعوبها.
ختاماً السيد الرئيس،
يتطلع وفد الجمهورية العربية السورية إلى أن يتمكن مؤتمر استعراض المعاهدة 2020 من إحراز تقدم حقيقي نحو تحقيق أهداف المعاهدة، ويؤكد استعداده التام للانخراط بشكل بنّاء في أعماله، والتعاون مع جميع الدول الأطراف للوصول إلى وثيقة ختامية، واحدة، شاملة، ويتم اعتمادها بتوافق الآراء، وتغطي مشاغل جميع الدول الأطراف.
شكراً السيد الرئيس