شكراً السيد الرئيس،
بدايةً، وكوني أتحدثُ للمرّة الأولى خلال رئاستكم للمجلس لهذا الشهر، أودُّ أن أهنّئكم بتولي رئاستَهُ، متمنياً لكم النجاح في إدارة أعماله.
السيد الرئيس،
لقد استمعتُ باهتمامٍ لإحاطتيّ السيد غير بيدرسون، والسيدة رينا غيلاني، وأودّ أن أدلي بالملاحظات التالية:
أولاً: إن المبدأ الأساسي الذي أكّدَتْ عليه جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ببلادي هو احترام سيادة واستقلال الجمهورية العربية السورية ووحدة وسلامة أراضيها، وهذا هو المعيار أيضاً لأية مقاربة للوضع السياسي أو الإنساني فيها. فأيُّ وجودٍ عسكري غيرِ شرعي على الأراضي السورية هو انتهاك لميثاقِ الأمم المتحدة ومخالفٌة للقانونِ الدولي، ويجبُ أن ينتهِيَ فوراً دونَ قيدٍ أو شرط. إضافة إلى أن محاربةَ الإرهاب بمختَلِفِ أشكالِهِ، والقضاءَ عليه بشكل نهائي لا يمكن أن يتمَّ إلا من خلال التعاونِ والتنسيقِ الكامل مع الدولةِ السورية.
في هذا المجال، وفدي يؤكد على رفضه التام لإعلانِ البيت الأبيض الأمريكي بتاريخ 12 أكتوبر الجاري بتمديد ما أسماه "حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلَّق بالوضع في سورية"، وبيان الخارجية التركية بتاريخ 13 الجاري رداً على هذا الإعلان الأمريكي. وفدي يعتبرُ أنَّ التبريرات الواردة في كلا البيانين غير مقبولة كونهما صادرين عن طرفين ينتهكان ميثاقِ الأمم المتحدة والقانونِ الدولي جراء احتلالهما لأراضٍ سوريةٍ، والتدخل في شؤونها الداخلية، والعبث بمقدَّرات شعبها وثرواتهِ الوطنية، ودعمهما لمليشيات انفصالية وجماعات إرهابية، وبالتالي لا يحقُّ لهما أبداً ادّعاء الحرص على استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة.
ثانياً: انطلاقاً من حِرصْ حكومة الجمهورية العربية السورية على الوفاء بجميع الاستحقاقات الدستوريةِ في موعدِها، وبالرغم من كل الظروفِ الصعبةِ التي مرت بها على مدى سنوات الحرب الإرهابية، فقد واصلت سورية اتّخاذ إجراءاتها لإتاحة الفرصة للشعب السوري لممارسةِ حقوقه وواجباته في كل الاستحقاقات، وقد شَهِدَتْ سورية بتاريخ 18-9-2022 انتخاباتٍ للمجالسِ المحلية، تَرَشّح لها تسعةٌ وخمسونَ ألفَ مرشّحٍ، تنافسُوا على تسعةَ عشرَ وستةٍ وثمانينَ ألفِ مقعد، مما عكسَ اتساعَ المشاركةِ الشعبيةِ الديمقراطية، والسعي لتعزيزَ اللامركزية وتعميقَ الإدارةِ المحلية في كلِّ قريةٍ، ومنطقةٍ، ومدينةٍ، ومحافظة.
ثالثاً: إن خيارَ التسوياتِ المحلية والمصالحاتِ الوطنيةِ هو نهج سلكته الدولة السورية كطريقٍ لإعادةِ الأوضاعِ إلى طبيعتِها في مختلِفِ ربوعِ الوطن، ولتعزيزِ الوحدةِ الوطنية وتماسُكِ المجتمعِ السوري. وضمنَ هذا النهجِ تمّ إصدار 21 مرسومِ عفوٍ عام، كان آخرُها المرسومَ التشريعيَّ رقم 7 لعام 2022 الذي أصدره السيد رئيسُ الجمهوريةِ، والذي عكسُ مرحلةً متقدّمةً لجهودِ الدولةِ السوريةِ المستمرة لترسيخِ المصالحةِ الوطنية والوئامِ الاجتماعي، وتحقيقِ الِاستقرارِ بشكلٍ مستدام. إن الدولةُ السورية ستتابعُ جهودَها وفقاً لهذا النهجِ الذي أثبتَ فعاليتَهُ على أرض الواقع، وأدى إلى عودةِ الكثيرِ من السوريينَ إلى ممارسةِ حياتِهِمُ الطبيعيةِ.
السيد الرئيس،
بالتوازي مع كل ذلك، فقد تعاملتْ سورية بإيجابيةٍ مع الجهودِ والمبادراتِ التي قُدّمت في إطارِ المسارِ السياسي، ودعمت الِاجتماعاتِ التي تُعقد بصيغة أستانا، وآخرها اجتماع قمة طهران، ورحبت بنتائجه. كما حافظت على التواصل مع السيد غير بيدرسون المبعوث الخاص إلى سورية، الذي زار دمشق قبلَ أيام، والتقى السيد وزير الخارجية والمغتربين، حيث طالبه باضطلاع الأمم المتحدة بدورها - وفقاً لميثاقها- لوقف انتهاكات السيادة السورية الناجمة عن الاحتلال الأمريكي لمناطق في شمال شرق سورية، والاحتلال التركي لمناطق في شمال وشمال غرب سورية، بالإضافة إلى استمرارِ الاحتلال الإسرائيليّ للجولان، واعتداءاته المتكرّرة على المرافق الحيوية، والبنية التحتية السورية، والتي تهدد السلم والأمن في المنطقة.
السيد الرئيس،
وفيما يخصّ الوضع الإنساني، فقد كانت سورية من أكثرِ بلدانِ العالم استقراراً وازدهاراً، وكانت تُحقِّق اكتفاءً غذائياً ذاتياً، وتؤمّنُ جميعَ متطلباتِ الحياةِ الأساسيةِ لشعبِها بشكلٍ قلّ نظيرُهُ في المنطقة، لكنَّ الحربِ الإرهابية التي شُنّتْ عليها منذ عام 2011 غيّرَتْ هذا الوضع، وتسببت بأزمةً إنسانيةً لا يُستهانُ بها، والتي فاقمها الإجراءاتُ القسريةُ أحاديةُ الجانبِ، وسَرِقَةُ الثَرْواتِ الوطنية السورية.
لقد بذلت الدولةُ السوريةُ - وما تزال - جهوداً جبّارةً لتحسين الوضعِ الإنسانيِّ على الأرض بما في ذلك عبر تقديمِ كلِّ التسهيلاتِ للأمم المتحدة لتحسينِ وتعزيزِ إيصالِ المساعداتِ الإنسانية لمحتاجيها، ولتنفيذِ مشاريعِ التعافي المبكِّر التي نصّ عليها قرارُ مجلس الأمن رقم 2642. وعلى الرغم من بعض تحفّظاتنا على هذا القرار، فإننا ما زلنا نتطلّعُ إلى أن يشكّل خطوةً إضافيةً نحو تحسينِ الوضعِ الإنساني في سورية في حال التزمت الدولِ الغربيةِ بتنفيذ أحكامه كاملة، وتوقفت عن تسييسَها للعملِ الإنسانيِّ والتنموي في سورية، ووضعَها العراقيلِ والقيودِ أمامه، لا سيما من خلال الإصرار على فرضِ الإجراءاتِ القسرية أحادية الجانب.
لكن للأسف، فقد أظهرت الجلسة الأولى للحوار التفاعلي غير الرسمي لمراجعة ومتابعة تنفيذ القرار 2642 بوضوحٍ أن الدول الغربية ماتزال مستمرة في نهج التسييس، وفرضها لصيغ في إدارة هذا الحوار هدفها المناورة والتحريف، مما أبعده عن البعد التفاعلي. لهذا نتطلع لأن تكون الجلسة القادمة حواراً تفاعلياً حقيقياً، تسهم في إجراء نقاش حقيقي وجدي حول تحديد المعوقات والصعوبات التي تواجه تنفيذ القرار، وكيفية تجنّبها، وذلك قبل انتهاء ولاية هذا القرار مطلع العام القادم.
السيد الرئيس،
اسمحوا لي أن أشير بإيجاز إلى بعض جوانب المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري:
- الأضرار الناجمة عن الحصار اللاإنساني للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على الشعب السوري، جراء الاستمرار في فرض إجراءاتها القسرية اللاشرعية، وتمديدها، وتوسيع نطاقها. وفدي يشدد على ضرورة رفع تلك الإجراءات فوراً لأنها لا إنسانية ولا أخلاقية.
- مواصلة قوات الاحتلال الأمريكي نهب النفط والقمح السوري، حيث نقلت مؤخراً مئات الشاحنات المحملة بالنفط والقمح إلى شمال العراق، عبر المعابر الحدودية غير الشرعية بالتعاون مع ميليشيا قسد الانفصالية.
ورداً على ما قاله ممثل الولايات المتحدة الأمريكية أود أن الفت انتباه أعضاء المجلس إلى أن القاعدة الرئيسية لقوات الاحتلال الأمريكية تتواجد في حقل العمر النفطي، وهو الأكبر في شمال شرق سورية، مما يمثلُ دليلاً واضحاً على سعي القوات الأمريكية لنهب النفط السوري. إن القيمة التقديرية للخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاع النفط والغاز فقط وحتى منتصف عام 2022 بلغت 107 مليار دولار.
وفدي يؤكد على إنهاء هذا الوجود الأمريكي اللاشرعي فوراً ودون قيدٍ أو شرط، والتعويض عن هذه الخسائر.
- استمرار النظام التركي ومرتزقته بإيقاف محطة مياه علوك عن العمل للشهر الثالث على التوالي، وحرمانِ ما يقارب مليون مواطن في مدينة الحسكة وجوارها من مصدر المياه الوحيد في ظل تزايد حالات العطش والجوائح الصحية والمرضية الخطيرة، ولا سيما انتشار وباء الكوليرا. وفدي يشدد على أن الحلول المطروحة لمسألة انقطاع المياه هي ذرٌّ للرماد في العيون ولا قيمة لها، وأن عدم قيام المجتمع الدولي بالتحرك فوراً لوقف هذه الممارسات وإدانتها سيؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين، ووفاة الأطفال والنساء وكبار السن.
- انتشار وباءَ الكوليرا الذي كانت سورية قد تخلصت منه منذ عقود، قد عاد - وبكل أسف – ليشكل خطراً إضافياً على حياة السوريين، وذلك جراء مواصلة استخدام المياه كسلاح ضد المدنيين، والتدمير الكبير الذي تعرضت له البنى التحتية للمياه والنظام الصحي بسبب الحرب الإرهابية التي شُنّت على سورية.
في هذا السياق، يشير وفدي إلى أن الحكومة السورية تبذلُ جهوداً كبيرة للحد من انتشار هذا الوباء ووقفه، من خلال نشر التوعية والتثقيف الصحي حوله ووسائل الوقاية منه، ومتابعة جميع الحالات المرضية ومعالجتها، والتأكد من سلامة مصادر المياه وغيرها من المصادر المسببة للمرض. كما تتعاون في هذا الإطار مع منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة وتقدم لها كافة التسهيلات اللازمة للقيام بالزيارات الميدانية والتي كان أخرها زيارة مدينة رأس العين في محافظة الحسكة، إلا أن الجهود الدولية مُنيت بالفشل لإصرار الدول الغربية على ممارسة سياساتها التي لا تكترث بأرواح النساء والأطفال وأصحاب الاحتياجات الخاصة.
شكراً السيد الرئيس