United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

بيــــــان السفير بسام صبّاغ المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية أمام مجلس الأمن خلال جلسة حول الشأن الإنساني في سورية

الاثنين, 20 (حزيران (يونيو 2022
المتحدث: 
بسّام صباغ
المكان: 
مجلس الأمن

السيد الرئيس،

    في الوقت الذي تعزز فيه الحكومة السورية جهودها لإعادة الأمن والاستقرار، وإجراءاتها لتجاوز مخلفات الأزمة عبر تكريس المصالحة الوطنية والتسويات المحلية، إلى جانب مواصلتها إصلاح البنى والمرافق الخدمية المتضررة لتحسين الظروف المعيشية للسوريين، وتيسير العودة الكريمة والآمنة والطوعية للمهجرين واللاجئين، تتواصل ممارسات الإرهاب والعدوان والتدمير ضد بلادي، سواء عبر تهديدات النظام التركي بشن أعمال عدوان جديدة، أو العدوان المباشر الذي تنفّذه قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو الهجمات التي تشنها التنظيمات الإرهابية المختلفة.

    لقد خلّف العدوان الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي في العاشر من حزيران الجاري دماراً هائلاً في المهبطين، والتجهيزات التقنية فيه، وصالة الركاب، مما أدى إلى خروج المطار عن الخدمة بشكلٍ كامل، الأمر الذي تترتب عليه تداعياتٍ سياسيةٍ وإنسانيةٍ وعسكرية واقتصاديةٍ خطيرة تطال جميع السوريين ودول المنطقة، بمن فيهم أولئك الذين يعتمدون على الدعم الذي توفره الأمم المتحدة من خلال رحلاتها الجوية الإنسانية التي يتم تسييرها من مطار دمشق والتي تم تعليقها بشكل كامل.

    لقد أكد المنسق المقيم للأمم المتحدة في سورية في بيانٍ صادرٍ عنه بتاريخ 13 حزيران بأن الرحلات الجوية الإنسانية للأمم المتحدة قد يسّرت حركة 2143 من العاملين الإنسانيين، ونقل الإمدادات المنقذة للحياة، وتوفير دعم وخدمات أساسية لأكثر من مليوني سوري في محافظات حلب، والحسكة، ودير الزور، والرقة والتي توقفت تماماً بعد العدوان الإسرائيلي الغادر على منشأة المطار المدنية.

    على الرغم من ذلك، ما تزال بعض الوفود الغربية تواصل التعتيم على هذا العدوان الإسرائيلي وآثاره على العمل الإنساني، ولا تسمح لمجلس الأمن بإدانته باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والحماية المقررة قانوناً للمنشآت المدنية. 

    أُذكّر السيدات والسادة أعضاء المجلس بأن هذا العدوان الإسرائيلي ليس الأول على مطار دمشق الدولي، أو على مرافق تجارية ومدنية عامة أخرى، وموانئ جوية وبحرية، والذي عرض الملاحة وحركة النقل الجوي والبحري المدني للخطر، وكذلك حياة المدنيين الأبرياء وسلامتهم.

    لقد وضعتكم سابقاً بصورة العدوان الإسرائيلي على ميناء اللاذقية البحري بتاريخ 17 كانون الأول 2021، والذي أدى أيضاً إلى أضرارٍ بالغة بمواد وتجهيزات تعود ملكيتها لمنظمة الأمم المتحدة في سورية.

السيد الرئيس،

    في تنسيق واضح، مع هذا العدوان الإسرائيلي، تتصاعد تهديدات وتصريحات رئيس النظام التركي حول عزمه شن عملٍ عسكري على الأراضي السورية في الشمال بهدف إنشاء ما يسميه "منطقة آمنة". إن هذه التصريحات تعبّر بوضوح عن سياسات نظام أردوغان العدوانية، وتأتي استمراراً لممارساته التخريبية الأخرى لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية، عبر دعمه للإرهاب، وتهجير السكان وإحداثِ تغييرٍ ديمغرافي، إلى جانب سياسة التتريك التي تعتبر تطهيراً عرقياً في المناطق الجغرافية التي تتواجد فيها قواته اللاشرعية وعملائه من التنظيمات الإرهابية.

    من جهة أخرى، تواصل التنظيمات الإرهابية جرائمها بحق السوريين، وكان آخرها تعرض حافلة ركاب مدنية صباح اليوم لهجوم إرهابي على طريق الرقة-حمص أدى إلى استشهاد أحد عشر عسكرياً، ومدنيين اثنين، وجرح آخرين. وقد تزامن هذا الاعتداء الإرهابي مع ورود تقاريرٍ عن هروب نحو 30 داعشياً يوم أمس من أحد مراكز الاحتجاز التي تديرها ميليشيات "قسد" الانفصالية وتشرف عليها قوات الاحتلال الأمريكي.

 الزميلات والزملاء،

    لقد استمعنا لإحاطة السيد مارتن غريفيث وكيل الأمين العام، ونحن ندرك تماماً التحديات التي تواجه جهوده وفريقه، بالتعاون مع الحكومة السورية، لتوفير الدعم للسوريين، وذلك جراء العراقيل التي تفرضها دولٌ غربية ومانحون اختاروا تسييس العمل الإنساني وتوظيفه ضد بلادي.

       لقد رفضت تلك الدول بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر تنفيذ القرار 2585 الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع قبل عام نتيجة توافق أعضائه على اتخاذ خطواتٍ جادةٍ وملموسةٍ لتعزيز الوصول الإنساني من داخل الأراضي السورية، وزيادة مشاريع التعافي المبكر للقطاعات الخدمية الأساسية. واليوم ومع اقتراب انقضاء أجل هذا القرار يناقش أعضاء المجلس مجدداً مسألة تمديد مفاعيله، ويقوم بعضهم بتعبئةٍ إعلاميةٍ فارغة مطالباً بتجديد القرار، على الرغم من أنه وقف طيلة الأشهر الأخيرة خلف إفشاله.

    إن نظرة واقعية متمعّنة لنتائج تطبيق القرار تُثبت بأنه لم يحقق أياً من النتائج المتوخاة منه. وهنا أود إلقاء الضوء على الجوانب التالية المتصلة بتطبيق هذا القرار:  

أولاً: لم يتم معالجة المشاغل والعيوب الجسيمة التي تطغى على عمل "آلية الوصول عبر الحدود" لجهة انتهاكها لسيادة واستقلال ووحدة أراضي سورية، وانعدام الشفافية في عملها، وتعاونها مع جهات مجهولة، وتغاضيها عن وقوع المساعدات الإنسانية بأيدي المجموعات الإرهابية التي تسيطر على منطقة إدلب وتستثمرها لتمويل أنشطتها وكسب الولاءات.

ثانياً: اتسمت عملية إيصال المساعدات الإنسانية بتطبيقٍ شديد الانتقائية؛ إذ نكصت الدول الغربية بالتزاماتها حيال تعزيز الوصول من الداخل، وواصلت تركيز جهودها وتمويلها على "آلية الوصول عبر الحدود"، والذي تجلى في التفاوت الكبير بين عدد القوافل العابرة للحدود وتلك العابرة للخطوط. فمقابل ما يزيد عن 5000 شاحنة عبر الحدود، لم تشهد الأحد عشر شهراً الماضية سوى مرور خمسة قوافل تضم بمجملها سبعون شاحنة فقط عبر الخطوط. إن هذا النهج كان دليلاً على التضليل الذي اعتمدته الدول الغربية لتمرير القرار، ومن ثم محاربة تطبيقه على أرض الواقع. ومن جهة أخرى تجاهلت تلك الدول العراقيل التي يضعها النظام التركي وأدواته من التنظيمات الإرهابية، وحلفائه من الدول الغربية أمام تنفيذ القرار، وحقيقة أنه وأدواته الإرهابية هم المستفيد الأول والأخير من استمرار هذه الآلية.

ثالثاً: لم يكن ما يُسمى اصطلاحاً "مجتمع المانحين" مع تنفيذ القرار2585 منذ البداية، واتخذوا خطواتٍ تتناقض مع مندرجاته، وحاربوا بكل ما يستطيعون مبدأ إطلاق مشاريع التعافي المبكر ودعم الصمود، وأمعنوا في ربطها بشروطٍ مسيّسة في انتهاك واضحٍ للمبادئ التوجيهية للعمل الإنساني والتنموي.

    في ضوء ما سبق، تحمّل بلادي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المسؤولية الكاملة عن فشل تنفيذ ركائز جوهرية للقرار 2585، وتشدد على ضرورة عدم الانجرار وراء حملات التضليل والخداع التي تروّج لها تلك الدول للزعم بأن تمديد القرار ضرورة حتمية. إن ممارسة الضغوط على منظمات العمل الإنساني في الأمم المتحدة لإصدار بياناتٍ تعرف هي بالذات أنها غير صحيحة، أمر مستغرب ومرفوض.

السيد الرئيس،

    تجدد بلادي مطالبتها بالوقف الفوري وغير المشروط لسياسات الإرهاب الاقتصادي والعقاب الجماعي المتمثلة بالتدابير القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على الشعب السوري، والتي تمثّل عقبة كأداء أمام أي جهودٍ للارتقاء بالوضع الإنساني. إن من يقف مع الشعب السوري لا يفرض عليه عقوبات اقتصادية لاإنسانية، ويضع نفسه في خانة العداء لهذا الشعب.

    تدعو سورية مجلس الأمن والأمين العام للاضطلاع بمسؤولياتهما لوقف الأعمال العدوانية الموجهة ضد سيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي اللاشرعي على الأراضي السورية وما يرتبط به من رعايةٍ لتنظيماتٍ إرهابيةٍ وميليشياتٍ انفصالية، ونهبٍ للثروات الوطنية ومقدرات البلاد. إن من غير المقبول التزام مجلس الأمن الصمت إزاء كل هذه الانتهاكات لميثاق الأمم المتحدة.    

شكراً السيد الرئيس.