United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

بيان في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن حول "مزاعم استخدام السلاح الكيميائي في ريف إدلب"

الأربعاء, 05 (نيسان (أبريل 2017
المتحدث: 
القائم بالأعمال بالنيابة منذر منذر
المكان: 
مجلس الأمن

 

السيدة الرئيس...

       إن ما سمعناه من البعض داخل المجلس اليوم هو دليل إضافي ودامغ على أن بلادي سوريا تتعرَّض لعدوانين متزامنين، الأول تشنه ثلاث دول دائمة العضوية داخل هذا المجلس، والثاني تنفذه نيابةً عن هذه الدول مجموعات إرهابية مسلَّحة داخل سوريا تعمل لصالحها وتأتمر بأوامرها. ويبدو أن الفريق الثلاثي المعروف داخل المجلس قد استعاد الشهية اليوم لتكرار الأكاذيب والقصص الملفقة التي مارسها بعض الأعضاء الدائمين منذ أكثر من عشر سنوات في هذه القاعة من أجل تدمير العراق واحتلاله، بناءً على كذبة أسلحة الدمار الشامل...

بدايةً، تنفي حكومة بلادي بشكل مطلق المزاعم والاتهامات الكاذبة حول استخدام الجيش العربي السوري لمواد كيميائية سامة ضد المدنيين السوريين في منطقة "خان شيخون"، الذين تحتجزهم الجماعات الإرهابية المسلحة كدروعٍ بشرية هناك. كما تؤكد سوريا أن الجيش العربي السوري ليس لديه أي نوع من أنواع الأسلحة الكيميائية، ولم يستخدمها سابقاً ولن يستخدمها لاحقاً.

إن موقف حكومة بلادي مبدئي وثابتٌ في رفض وإدانة جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية وأي نوعٍ من أنواع أسلحة الدمار الشامل من قبل أي كان وفي أي مكان وتحت أي ظرف كان ولأي سبب كان، باعتباره جريمة ضد الإنسانية وأمراً مرفوضاً وغير أخلاقي ولا يمكن تبريره تحت أي ظرفٍ كان. وانطلاقاً من هذه المبادئ الثابتة، فقد انضمت حكومة بلادي إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية ونفذت كل التزاماتها بموجب اتفاقية الحظر، إيماناً منها بالسعي لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل، كما تعاملت بمسؤولية عالية وشفافية كاملة في إطار الاتفاق الثلاثي الموقع بينها وبين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومكتب الأمم المتحدة للخدمات.

إن إطلاق اتهامات جزافية ومسيسة ضد بلادي سوريا وحلفائها في الحرب على الإرهاب منذ اللحظة الأولى لتناقل وسائل الإعلام تقارير مصدرها مجموعات إرهابية مسلحة تم إدراجها على لوائح مجلس الأمن للكيانات الإرهابية، عن استهداف منطقة "خان شيخون"، يؤكد أن أطرافاً بعينها داخل هذا المجلس، ومعها تركيا ودول أخرى داعمة للإرهاب، ستستمر في ممارساتها المسيسة والخطيرة التي تهدف إلى الإساءة لحكومة بلادي وابتزازها وحلفائها في حربهم على الإرهاب، وإلى عرقلة المحادثات في أستانا وجنيف، وتدمير آفاق التوصل لحلٍ سياسي للأزمة في بلادي سوريا، حتى لو كان الثمن سقوط المزيد من الأطفال والنساء والضحايا الأبرياء. ويندرج في ذات الإطار دور حكومات الدول التي شكلت اليوم جوقةً لاتهام سوريا ومهاجمتها دون مبرر، بهدف إعادة ملف الأسلحة الكيميائية إلى نقطة الصفر، خدمةً لأهداف سياسية معروفة، بما في ذلك إفشال الانفتاح الدولي على سوريا الذي بدأت ملامحه تتوسع مؤخراً.

لقد عبَّر رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى محادثات جنيف أمام المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا بتاريخ 31 آذار 2017، عن قلق سوريا من التقارير التي تتحدَّث عن حيازة الجماعات الإرهابية المسلحة في مناطق ريف دمشق وإدلب وحماة، لمواد كيميائية سامة، بغرض استخدامها كسلاح ضد المدنيين، وحذّر من تزييف الحقائق وفبركة الأدلة والاتهامات بحق الحكومة السورية، كما حصل في مرات سابقة. وفي ذات السياق، أُذكِّر هذا المجلس بأن حكومة بلادي وجهت أكثر من تسعين رسالة كان آخرها منذ أيام قليلة فقط، إلى كلٍ من مجلس الأمن، ولجنة القرار (1540)، والمفوض الأعلى لشؤون نزع السلاح، وآلية التحقيق المشتركة، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تضمنت معلوماتٍ موثقة عن حيازة الجماعات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها "داعش" و"جبهة النصرة"، لمواد كيميائية سامة وصلت إليها عبر الأراضي التركية بشكل خاص.

إن بلادي سوريا تستغرب وتستهجن هذا التزامن المشبوه الذي يتكرر دوماً بين شن حملات اتهامٍ سياسية ضدها في حوادث مزعومة ضد المدنيين، وبين انعقاد اجتماعات دولية حول الوضع في سوريا أو انعقاد محادثات بين الأطراف السورية في أستانا وجنيف. وهو الأمر الذي يترافق بطبيعة الحال مع استمرار بعض الدول الأعضاء في هذا المجلس، في عملية الاستغلال السياسي الرخيص لتقارير مفبركة صادرة عن مؤسسات إعلامية مرتبطة بأجهزة استخبارات هذه الدول، من أجل إلقاء تهم سياسية دون إعمال أي نوعٍ من أنواع المحاكمة المنطقية أو انتظار بيان الصورة الحقيقية لما جرى، أو حتى التفكير ولو لدقائق بمن هو المستفيد الحقيقي من استخدام المواد الكيميائية السامة بحق المدنيين الأبرياء... إن الجواب واضح أمامكم اليوم، فالمستفيد الأول هو ذات أنظمة الدول التي استهدفت سوريا منذ أكثر من ست سنوات حتى الآن، والتي تحاول الآن إنقاذ الجماعات الإرهابية المسلحة وجماعات المعارضة المتحالفة معها للهروب من استحقاقات العملية السياسية التي تجري في جنيف وأستانا. والسيناريو الذي تشهدونه اليوم ضد بلادي سوريا داخل مجلس الأمن، هو التفسير الوحيد لتصريحات رئيس مجلس الأمن خلال شهر آذار الماضي والتي أعلن فيها أنه سيتصدى لأي محاولة أو مشروع قرارٍ تُقدِّمه روسيا الاتحادية والصين من أجل فتح ملف حيازة الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا والعراق للأسلحة الكيميائية.

إن المفارقة الكبرى تتمثل في أن تدعو فرنسا إلى عقد هذه الجلسة اليوم، وهي الدولة التي فبركت بتوجيهات من وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس حادثة استخدام المواد الكيميائية السامة في الغوطة الشرقية بريف دمشق في شهر آب 2013، وهذه معلوماتٌ موثقةٌ في كتاب الصحفيين الفرنسيين مالبرونو وشينو المعنون "الطرق إلى دمشق"... كما أن فرنسا هي الدولة المسؤولة سياسياً وقانونياً وأخلاقياً مع شركائها داخل ما يسمى "التحالف الدولي" غير الشرعي، عن قصف المدنيين وتدمير البنى التحتية في مختلف مناطق سوريا. ولا أجد ضرراً في تذكير هذا المجلس بالمجزرة الوحشية التي ارتكبها الطيران الحربي الفرنسي بحق مئتين من المدنيين في قرية "طوخان الكبرى" بريف حلب في تموز 2016، وبالعمليات الجوية الأخيرة لطيران ما يسمى "التحالف الدولي" في الرقة ودير الزور، والتي أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين وإلى تدمير الجسور والبنى التحتية وإلحاق أضرار هائلة في "سد الطبقة"، بما يهدد بوقوع كارثة بشرية وبيئية هناك.

ختاماً، وإذ ترفض حكومة بلادي رفضاً تاماً تزوير الحقائق وفبركة الاتهامات، فإنها تؤكد استمرارها في تنفيذ جميع تعهداتها التي التزمت بها حين انضمامها إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وفي حربها على الإرهاب التي لن تتوقف تحت تأثير أي ابتزازٍ سياسي وإعلامي أو استغلالٍ رخيص لدماء الأبرياء في سوريا.