United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

بيان خلال مناقشة "نطاق مبدأ الولاية القضائية العالمي وتطبيقه"

الأربعاء, 11 (تشرين اﻷول (أكتوبر 2017
المتحدث: 
المستشار عمار العرسان
المكان: 
اللجنة السادسة (القانونية)

بيان وفد الجمهورية العربية السورية خلال مناقشة بند الولاية القضائية العالمية وتطبيقه

رد وفد الجمهورية العربية السورية على ممثل ليختنشتاين خلال مناقشة بند الولاية القضائية وتطبيقه

السيد الرئيس،

ينضم وفد بلادي إلى البيان الذي ألقاه ممثل جمهورية إيران الإسلامية الموقر بالنيابة عن دول حركة عدم الانحياز، واسمحوا لي أن أدلي بالملاحظات التالية بالصفة الوطنية..

إن موقف بلادي تجاه هذا البند الهام والحساس يستند إلى إيمانٍ مطلق بأهمية تحقيق الغاية الأساسية المنشودة أو المفترضة فيه، ألا وهي العدالة. وكان منظورنا في سوريا ينطلق دوماً من أهمية أن تكون العدالة الدولية واقعاً مجرداً من التسييس والانتقائية وازدواجية المعايير، وهو الأمر الذي لم يتحقق للأسف إلى اليوم. بل إن العديد من القضايا والأزمات الدولية التي لا يتسع المجال للخوض فيها الآن، قد أثبت أن التسييس والانتقائية باتا السمة الأبرز في سلوك الكثير من الحكومات، في إطار سعيها لإساءة استخدام مبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها في تحقيق أجنداتٍ خاصة وأنانية، تبدأ بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولا تنتهي عند دعم الإرهاب أو شن الحروب والنزاعات واحتلال أراضي الغير بالقوة.

إن المهمة الأساسية الموكلة إلى اللجنة السادسة كانت وستبقى الدفاع عن مفهوم العدالة وصيانة مبادئ القانون وحمايتهما من أي نوازع سياسية، وهي نوازع لا يمكن لأحدٍ أن ينكر وجودها في ممارسات وسلوكيات بعض حكومات الدول الأعضاء. ولهذه الغاية، فإن بلادي سوريا ترفض تجاهل هذا البعض للدور الأساسي لقرارات وأحكام محكمة العدل الدولية، كما وترفض محاولات تهميش مكانة هذا الجهاز القضائي باعتباره الأول والوحيد في إطار منظومة عمل الأمم المتحدة، هذا في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول الأعضاء إلى توسيع نطاق الولاية القضائية العالمية، بطريقةٍ مشوهة تستهدف الانتقاص من سيادة الدول ومن دور ومكانة مؤسساتها القانونية والقضائية الوطنية.

وإني أُذكِّر هنا بأن الجمهورية العربية السورية كانت من بين أوائل الدول التي ساهمت بفعالية في المفاوضات المتعلقة بنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، كما كانت من أوائل الموقعين عليه. إلا أنه وفي مواجهة ما أفرزته تجارب هذه المحكمة، من خضوعٍ لضغوط حكومات الدول النافذة، ومن تطبيقٍ انتقائي ومجتزئ لمفهوم العدالة، فقد قررت بلادي سوريا النأي بنفسها عن هذا الجهاز، بعد أن أصبح مؤسسةً قاصرةً ومنحازة تُسيء لمفهوم العدالة النبيل، وتعمل كأداةٍ لخدمة أهواء الحكومات النافذة، وكوسيلةٍ لتقويض العلاقات الدولية وتهديد ركائز القانون الدولي ومبادئ الميثاق.

واسمحوا لي في هذا الإطار أن أطرح أمثلةً عملية تتعلق بمحاولات حكومات بعض الدول تسييس مفهوم الولاية القضائية العالمية:

فحكومات بعض الدول الأعضاء ممن تتورط إلى اليوم في دعم الإرهاب في بلادي سوريا وفي تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية المسلحة، وفي مقدمتها تنظيم "جبهة النصرة" المصنف أممياً على أنه كيانٌ إرهابي... هذه الحكومات لم تجد من وسيلةٍ لمجابهة الحرب التي تخوضها سوريا مع حلفائها ضد الإرهاب ولعرقلة العملية السياسية في جنيف، إلا عبر تشويه مفهوم الولاية القضائية العالمية واستغلاله في إطار الجمعية العامة، من خلال إنشاء ما يسمى "آلية التحقيق الدولية المستقلة والمحايدة" في سوريا، استناداً إلى القرار 71/248 غير التوافقي الذي شكَّل خرقاً قانونياً للميثاق، ولا سيما لنصي المادتين (2) و (12) من الميثاق.

وأشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى خرق قانوني جسيم في عملية تأسيس هذه "الآلية"، والذي تمثَّل بمنحها صلاحياتٍ هي من اختصاص الادعاء العام الوطني كجهازٍ قضائي. إن الميثاق لم يمنح الجمعية العامة، في الأصل، أية ولايات أو اختصاصات تتعلق بالملاحقات القضائية والتحقيقات الجنائية أو دعم أي تحقيقٍ جنائي. وعلى هذا الأساس القانوني، لا تملك الجمعية العامة الولاية لكي تخلق جهازاً يتمتع بصلاحيات لا تتمتع بها هي أصلاً، فضلاً عن أنها لا تتمتع بالأصل بصلاحية إنشاء مثل هذا الجهاز، وهي صلاحية مناطةٌ بمجلس الأمن حصراً.

من جديد، فإني أدعوكم للتمعن في قراءة الوثيقة الرسمية رقم (A/71/799)، وهي الرسالة التي وجهها الوفد الدائم للجمهورية العربية السورية إلى الأمين العام، والتي تكشف العورات والخروقات القانونية الجسيمة التي اعترت عملية إصدار قرار الجمعية العامة رقم 71/248، كما تفضح النوايا السياسية الخطيرة التي تقف وراء سعي كلٍ من قطر وليختنشتاين إلى تشكيل هذه "الآلية" المشوهة وغير الشرعية.

وبالمحصلة، فإن بلادي سوريا تدعو الدول الأعضاء أن تنأى بنفسها عن عمل هذه الآلية، وأن تمتنع عن تقديم أي مساعدة أو تمويلٍ لها، واضعين في الاعتبار أن 80% من الأموال التي حصلت عليها هذه الآلية قد أتت من حكومةٍ لا تعترف بتصنيف الأمم المتحدة لتنظيم "جبهة النصرة" على أنه كيان إرهابي، وتستمر في تمويله وتسليحه حتى هذه اللحظة. وبالنتيجة، فإن "آليةً" تُموَّل من ذات المصدر الذي يُموِّل الإرهاب لا يمكن أن تكون محايدةً ولا مستقلة، بل هي مجرد استنساخ مشوه لمفهوم الولاية القضائية العالمية.

والمثال الثاني الذي أطرحه، هو من مضمون تقرير الأمين العام عن بند نطاق الولاية القضائية العالمية والذي يحمل الرقم A/72/112. فقد ورد ضمنه وفي التقرير المقدم من أحد الدول الأعضاء، أن المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت مارست الولاية القضائية العالمية، وحكمت بالسجن على شخصٍ بعد إدانته بجرائم السفر للقتال في سوريا، والمشاركة الفعلية مع مجموعة مسلحة في قتل ضابط وجندي سوري، وفي قطع رأسيهما وتعليقهما على الأعمدة في إحدى المدن السورية والتمثيل بجسديهما، وأخذ صور مع الرأسين المقطوعين.

أما مدة الحكم أيها السادة فكانت السجن لعامين!!! فأي تشويهٍ هذا لمفهوم العدالة ولأركانها، ولا سيما ما يتعلق بمبدأ التناسب بين جسامة الفعل الجرمي المرتكب وبين العقوبة المفروضة على مرتكبه... إننا نؤمن بعد قراءة مثل هذا التقرير أن على الكثير من حكومات الدول أن يكف عن التذرع بعدم قدرة المؤسسات القضائية الوطنية على تنفيذ مهامها وولاياتها، من أجل أن يُبرِّر لنفسه إساءة استخدام الولاية القضائية العالمية!! فمثل هذا الحكم القضائي يُمثِّل قمة الإفلات من العقاب العادل...

أما المثال الثالث، فهو من صميم عمل وتجربة نظام روما والمحكمة الجنائية الدولية. إذ أن قمة النفاق السياسي ما زالت تتمثل في أن نستمع لحكومات بعض الدول وهي تتفاخر بانضمامها إلى نظام روما، وهي تدعو أيضاً إلى تطبيق ولاية افتراضية لهذه المحكمة على الحالة في سوريا، بينما قامت هذه الحكومات ذاتها بتوقيع اتفاقياتٍ ثنائية مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل منح الجنود الأمريكيين الحصانة من الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ختاماً السيد الرئيس،

       لم يعد من المقبول أن تجعل حكومات بعض الدول من أسمى المبادئ الإنسانية وسيلةً لممارسة العدوان العسكري والتدخل في شؤون الدول الأخرى، ولم يعد من المقبول أن تكون العدالة مجرد أداةٍ سياسية في يد الأقوياء من أجل تطبيقها على الأضعف... حينها تسود شريعة الغاب، وتبقى الأمم المتحدة - بعد سبعين عاماً على قيامها – عاجزةً عن الوقوف في وجه من يريد لدولنا وشعوبنا أن تستسلم لــ"قانون القوة" بدلاً من أن تحميها "قوة القانون".

شكراً السيد الرئيس،