United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

بيان السفير د. بشار الجعفري أمام مجلس الأمن للاستماع إلى إحاطة من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا

الأربعاء, 12 (نيسان (أبريل 2017
المتحدث: 
المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة
المكان: 
مجلس الأمن

 

رابط الفيديو

السيدة الرئيس،

       أرجو ان يتسع صدركِ لما سأقوله بصفتكِ رئيسة لمجلس الأمن لهذا الشهر، وقد استمعت بكل عناية واهتمام لما قاله كل الزملاء، ومن واجبي ومن حقي كدولة عضو مؤسسة لهذه المنظمة الدولية ان أنقل للسادة الزملاء وجهة نظر حكومتي. قبل أربعة عشر عاماً بالضبط وهو تاريخ غزو العراق 19 آذار 2003، قبل ذلك بأيام كنت جالساً مكان سعادة سفير إيطاليا مع وزير خارجية بلادي آنذاك وحضرت الجلسة التي تحدث بها وزير خارجية بلادكِ الأسبق الوزير كولن بأول عن أسلحة دمار شاملٍ في العراق، كنت حاضراً في هذه القاعة. والجميع يتذكر ما قاله رؤساء لجان التحقيق والتفتيش عما يسمى أسلحة الدمار الشامل في العراق، رالف ايكيوس، وباتلر، وسكوت، وهانز بليكس وغيرهم من انه لم يكن أسلحة دمار شامل في العراق وان هذه الاتهامات كانت ذريعة لغزو العراق واحتلالهِ، والأنكى من ذلك انكم تتذكرون جميعاً، ربما بعضكم على الأقل ان هذا المجلس الكريم قد قرر في نهاية العام 2008 عندما انهى ملف التحقيق بما يسمى أسلحة الدمار الشامل العراقية دفن أرشيف لجنة الأونسكوم ولجنة الانموفيك التي تلتها، دفن هذا الأرشيف في صناديق فولاذية لا يملك مفاتيحها الا الأمين العام على الا تُفتح هذه الصناديق إلا بعد ستين عاماً.... تخيلوا حجم الفضائح الموجودة في أرشيف هاتين اللجنتين.

يبدو السيدة الرئيس ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يدفعها للبحث عن دورٍ جديد يتمثلُ في هذا الخطاب المتطرف الغير العقلاني في هذا المجلس بما يذكرنا بالدور الاجرامي لرئيس الحكومة البريطاني الأسبق توني بلير في غزو العراق قبل أربعة عشر عاماً بعد فبركة خرافة أسلحة الدمار الشامل العراقية، ودفع الفيل الأمريكي الى تكسير الخزف الحضاري العراقي الغني بهمجية مازال الشعب العراقي يدفع ثمنها حتى هذا اليوم.

السيدة الرئيس

يأتي بياني هذا بعد غيابٍ لأكثر من ثلاثة أشهر نتيجة انخراطي كرئيسٍ لوفد الجمهورية العربية السورية، في جولاتٍ مكوكية من المحادثات السورية – السورية في كلٍ من أستانا وجنيف، بهدف إطلاق حوارٍ جاد يؤدي إلى حلٍ سياسي يقوده السوريون أنفسهم دون أي تدخلٍ خارجي، وبما يشمل توحيد جهود مكافحة الإرهاب.

وكنا نعتقد منذ أسبوعٍ فقط أننا قادمون إلى هذه الجلسة لمشاركتكم بما تم إنجازه مؤخراً في أستانا وجنيف، وإعطاء الدفع والدعم اللازمين للسيد المبعوث الخاص ديمستورا، وكذلك للأطراف الجادة في السعي للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في بلادي سوريا ولتنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب. وفي خضم هذا التفاؤل أبت الإدارة الأمريكية إلا أن تسعى لتكرار المسرحية الدامية التي مارستها في هذا المجلس بالذات ضد العراق منذ أربعة عشر عاماً والتي تحمل عنوان "كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية". فها هي الإدارة الأمريكية اليوم تدفع بالحرب الإرهابية المفروضة على بلادي سوريا نحو مستويات خطيرة غير مسبوقة، وذلك من خلال الانتقال من العدوان بالوكالة عبر الجماعات الإرهابية المسلَّحة التي تُشغِّلها منذ سنوات، إلى العدوان بالأصالة عبر العمل العسكري المباشر ضد بلادي.

    لقد دأبت الولايات المتحدة التي تُدير الإرهاب في بلادي سوريا مع حلفائها وعملائها في المنطقة، على تقديم كافة أشكال الدعم للمجموعات الإرهابية كي ترتكب أفظع الجرائم بحق المدنيين والبنى التحتية في سوريا، والتي تندرج في إطارها ممارسات ما يسمى بـ"التحالف الدولي" الذي أثبتت الأحداث أنه لم يفعل شيئاً سوى تدمير البنى التحتية وقصف المدنيين، بل وتقديم الغطاء الجوي لـ “جبهة النصرة" و"داعش" والمجموعات الإرهابية المرتبطة بهما، كما حصل عندما تم قصف موقع الجيش السوري في جبل الثردة بدير الزور بتاريخ 17/9/2016.

إن تقديم الدعم العسكري المباشر والغطاء الجوي للمجموعات الإرهابية المسلحة، لم يقتصر فقط على ما يسمى بـ "التحالف الدولي"، بل كانت إسرائيل سباقة له في نيل شرف دعم الإرهاب، حين عملت منذ انطلاق أنشطة المجموعات الإرهابية في منطقة الفصل في الجولان السوري المحتل، وعلى رأسها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، إلى تقديم كافة أشكال الدعم لهذه المجموعات، بما فيها الإسعاف والرعاية الطبية لجرحاها من الإرهابيين وذلك على نفقة النظام القطري كما تعرفون، وتأمين الغطاء الجوي من خلال شن الغارات على مواقع الجيش السوري كلما تقدم في معاركه ضد هذه الجماعات الإرهابية. أما ما زاد الطينة بلَّة، فقد كان تقديم الدعم الإسرائيلي لتنظيم "داعش" الإرهابي مباشرة من خلال الغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية بتاريخ 17/3/2017 على مواقع للجيش السوري في تدمر، وذلك بهدف دعم تحركات التنظيم الإرهابي في تلك المدينة.

ثم تكَّرر نفس المشهد فجر يوم الجمعة 7/4/2017 حين شعرت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن المجموعات الإرهابية التي سلَّحتها ودرَّبتها وموَّلتها قد بدأت تتقهقر تحت وطأة الضربات الموجعة لجيشنا السوري وحلفائنا، فارتكبت عدوانها المُبيت والسافر على قاعدة الشعيرات الجوية، بذريعة استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون التي يسيطر عليها أساساً تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي. ولم تكتف بهذا العدوان بل سبقته بوقاحة سياسية تمثلت باستغلال آليات الشرعية الدولية في مجلس الأمن من خلال تقديم مشاريع قرارات استفزازية تنحو نحو تحميل الحكومة السورية مسؤولية الاستخدام المروع للأسلحة الكيميائية، وابعاد الشبهات عن المجرم الحقيقي من الإرهابيين والدول الداعمة لهم.

لقد تم التخطيط لهذا العدوان الخطير بعناية منذ عدة أشهر في الغرف السرية لأجهزة استخبارات تل أبيب والرياض والدوحة وأنقرة وعمَّان وواشنطن ولندن وباريس، وهي العواصم التي عملت على مدار السنوات الماضية، على تزويد أدواتها الإرهابية في الداخل السوري، وعلى رأسها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، بالمواد الكيميائية السامة لاستخدامها واتهام الحكومة السورية بها، كما حصل في  خان العسل بتاريخ 19 آذار 2013، وفي الغوطة الشرقية بتاريخ 21 آب  2013، وفي تلمنس بتاريخ 21/4/2014 وفي سرمين بتاريخ 16/3/2015 وفي قمينص بتاريخ 16/3/2016. لن أطيل عليكم الآن في إنعاش ذاكرة المجلس بأكثر من تسعين رسالة وجهناها لكم منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، حول حيازة الجماعات الإرهابية لمواد كيميائية سامة بغرض استخدامها ضد المدنيين من أجل اتهام الحكومة السورية بارتكاب هذه الفظائع... لماذا؟ لشيطنتها في عيون الدول الأعضاء في مجلس الأمن وفي عيون الرأي العام العالمي، ومن ثم تبرير التدخل بشؤونها الداخلية، وبعض هذه الرسائل أيها السادة تناول تهريب السارين من ليبيا عبر تركيا على متن طائرةٍ مدنية من شخص سوري مجرم اسمه هيثم القصار وتم إيصال لترين من السارين القادم من ليبيا عبر تركيا إلى الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا. اعطيناكم الأسماء والتواريخ والاحداث وطريق السير الذي حمل هذه المادة الإرهابية من ليبيا إلى سوريا.

أشير هنا إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان دوما في حزيران 2013، والذي كشف النقاب فيها عن اطلاعه خلال زيارة له إلى لندن على وجود مؤامرة على سوريا لتدميرها وعزل حكومتها بسبب مواقفها المعارضة لإسرائيل، سنتان قبل بدء الأزمة في سوريا تم اطلاع رولان دوما في لندن على خطة لتدمير سوريا قبل بدء الأزمة في سوريا بعامين اثنين. كما أشير إلى التقرير الذي نشرته صحيفة الـ Daily Mail البريطانية في كانون الثاني 2013 ثم سحبته حينها من التداول على موقعها الإلكتروني، وتضمَّن التقرير عرضاً لرسائل إلكترونية متبادلة بين مسؤولين كبار في شركة Britam Defence البريطانية، وفيه تمَّ عرض مخططٍ "وافقت عليه واشنطن" آنذاك، مضمونه أن قطر، وبالتعاون مع تركيا، ستمول قوات المتمردين في سوريا لاستخدام الأسلحة الكيميائية... حينها، ما كان على الرئيس الأمريكي السابق إلا أن يخلق ما أسماه "خطاً أحمر" بأنه لن يتسامح مع استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، من أجل تبرير أي عدوانٍ عسكريٍ عليها، ولكنه لحسن الحظ تراجع في اللحظات الأخيرة حين تخلى عنه أقرب حلفائه الأوروبيين نتيجة ضغط الرأي العام ورفضه أي تدخلٍ عسكري لبلادهِ في سوريا.

كما أثبتت الوثائق، السيد الرئيس، التي سربها موقع ويكيلكس أن البيت الأبيض أعطى الضوء الأخضر لهجوم بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق، بحيث يكون من الممكن إلقاء اللوم على الحكومة السورية، وهو الأمر الذي سيحفز بدوره العمل العسكري الدولي ضد بلادي سوريا.

أما اليوم، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة التي كنا نتفاءل بوصولها الى واشنطن والتي تزعم أن مكافحة الإرهاب أولوية لها، لم تجد مع حلفائها ذريعةً إلا أن تستعين من جديد بخدعة "الخط الأحمر" وبفبركة حادثة استخدام المواد الكيميائية السامة في خان شيخون، من أجل شن العدوان على سوريا، وإفشال المحادثات في أستانا وجنيف يا سيد ديمستورا، ولإنقاذ الجماعات الإرهابية المسلحة من مأزقها، ومساعدة جماعات المعارضة المرتبطة بها في الهروب من استحقاقات التسوية السياسية ومكافحة الإرهاب. لماذا؟ لأننا استطعنا في جنيف ان نضيف سلة مكافحة الإرهاب إلى جدول اعمالها، لم يرق هذا الأمر لأعداء المسار السياسي.... وإلا كيف يمكن لأي تفكير عاقل ومنطقٍ سليم أن يقبل الكذب والتضليل واتهام بلادي سوريا باستخدام سلاحٍ كيميائي لا تملكه أساساً، حسب بيان البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا في حزيران 2014 أمام هذا المجلس بالذات! السيدة سيغريد كاغ قالت لكم في ذلك التاريخ انه لم يبقى سلاح كيميائي في سوريا، والأنكى من ذلك، والمفارقة العجيبة ان من دمر السلاح الكيميائي آنذاك هي السفن الأمريكية في البحر المتوسط.... هذا في الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري وحلفاؤه انتصارات ساحقة على الإرهاب، وفي الوقت الذي تتحقق فيه مصالحاتٌ وطنيةٌ على امتداد المدن والمناطق في سوريا، وفي الوقت الذي أنجزت فيه اجتماعات أستانا خطواتٍ هامة لجهة التأكيد كما قال السيد ديمستورا على سيادة ووحدة أراضي سوريا، بما يعني ضبط الحدود مع الدول المجاورة وخاصة تركيا والأردن، ومنع تدفق الإرهابيين، ووقف الأعمال العدائية، وفصل الجماعات المسلَّحة عن تنظيمي "النصرة" و"داعش" وتوحيد الجهود في الحرب على الإرهاب. هذه هي نتائج أستانا والتي ان طبقت هذه النتائج لانتهت الأزمة السورية خلال أربعة وعشرين ساعة، وفي الوقت الذي بدأت فيه اجتماعات جنيف بالسعي الجاد نحو بلورة رؤية سياسية وخريطة طريق للتسوية في سوريا، وفي الوقت الذي تشهد فيه بلادي انفتاحاً دبلوماسياً وزياراتٍ من وفود برلمانية، بما فيها وفود غربية، باتت تتحدث إلى الرأي العام العالمي عن حقيقة ما يجري في سوريا، وتدعو إلى دعم الحكومة السورية في الحربِ على الإرهاب... إنني أتركُ هذا السؤال عهدةً وأمانة لدى كل من لا يزال يحتكم إلى العقل والمنطق والقانون في هذا المجلس، في تفسير هذا الجنون الأعمى وهذه الشهية المتوحشة نحو إحراق بلادي سوريا والمنطقة وإدخال العلاقات الدولية في مرحلة جديدة من الصراعات والحروب، التي لن ينتصر فيها إلا الإرهاب وعقيدة التطرف والكراهية ومنطق القوة العسكرية وشريعة الغاب.

إن حكومة بلادي السيدة الرئيس، وفي مواجهة هذا التزوير والتضليل لتبرير العدوان العسكري، قد وجَّهت البارحة لكم ولأعضاء المجلس من خلالكم رسالة نشير فيها إلى دعوة الحكومة السورية مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي لإيفاد بعثةٍ فنية إلى كل من خان شيخون وقاعدة الشعيرات الجوية لاستجلاء حقيقة ما حدث. وهذا يعني اننا نريد نحن كحكومةٍ سورية ان نعرف من الذي استخدم الغاز الكيميائي في بلادي...

يجب أن نقول جميعاً: لا ثم لا ثم لا للحرب التي يروج لها تجار الحروب وأعداء القانون على أنها خيارٌ عادي، عملٌ يومي معتاد وهم جاثمون في الدفء والأمان مع امتيازاتهم وأرباحهم وغرورهم.

السيدة الرئيس،

لقد قدَّمت حكومة بلادي، خلال الجولة الأخيرة في جنيف، أوراقاً عديدة للمبعوث الخاص السيد ديمستورا كان أولها ورقة مبادئ عامة للحل السياسي في سورية تتعلق بإيجاد أرضيةٍ منطقية وطبيعية للبدء بمناقشة كافة القضايا والتي كانت جزءاً أساسياً من النقاش حول السلال الأربع، بالإضافة الى أوراق أخرى من ضمنها ورقة تتعلق بمكافحة الإرهاب، وقد تم خلال الأيام التسعة مناقشة كافة بنود جدول الأعمال المتفق عليها، ولكن وبكل أسف لم يكن هناك في المقابل شريك جاد يسعى فعلاً لمكافحة الإرهاب والتوصل إلى حلٍ سياسي. ناهيك عن وجود معارضات وليس معارضة سورية.

إن بلادي تستنكر مساعي كلٍ من الإدارة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا لإفشال جهود المبعوث الخاص وعرقلة المحادثات في أستانا وجنيف، وهي المحادثات التي انخرطت الحكومة السورية فيها بكل جدية وصبر وإحساس بالمسؤولية، لأن شعبنا يُحمِّلنا مسؤوليةً تاريخية في الدفاع عن البلاد ووقف سفك الدماء. إن العدوان الأمريكي لن يثني الحكومة السورية وحلفائها عن الاستمرار في مكافحة الإرهاب، ولا عن المشاركة الفعالة في الجولات المقبلة لمحادثات استانا وجنيف وفي مناقشة جدول الأعمال المتفق عليه والانخراط بشكل فعال في مواضيع الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب بشكل متوازٍ. كما لن نألو جهداً لمساندة كل جهدٍ صادق يهدف إلى الوصول إلى حل سياسي يقرر فيه السوريون أنفسهم وحدهم مستقبلهم وخياراتهم، بما يضمن سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها.

ختاماً السيدة الرئيس،

انني استغرب ما تحدث عنه زميلي مندوب فرنسا عن عزمهِ مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تقديم مشروع قرار اليوم وطرحهِ على التصويت بخفةٍ دبلوماسيةٍ لأن هكذا خطوة استفزازية تأتي قبل التحقيق الدولي النزيه من جانب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ولذلك فأن تقديم مشروع القرار هو سوء استخدام فظ لآليات مجلس الأمن يذكرنا بسوء استخدام آليات مجلس الأمن من قبل بريطانيا وأمريكا ضد العراق قبل أربعة عشر عاماً بالضبط 9 نيسان 2003