United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

بيان السفير د.بشار الجعفري في مجلس الأمن- جلسة التصويت على مشروع القرار الغربي

الأربعاء, 12 (نيسان (أبريل 2017
المتحدث: 
المندوب الدائم السفير د.بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

       رابط الفيديو

السيدة الرئيس،

تدين بلادي بأشد العبارات وترفض أي استخدام للأسلحة الكيميائية وأي نوعٍ من أنواع أسلحة الدمار الشامل، باعتباره جريمة ضد الإنسانية وأمراً مرفوضاً وغير أخلاقي ولا يمكن تبريره تحت أي ظرفٍ كان. إن المستهدف باستخدام هذه الأسلحة هو الشعب السوري، الذي ما زال إلى اليوم الضحية الأولى لجرائم الجماعات الإرهابية المسلحة التي لم تتورَّع حتى عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضده، وأؤكد لهذا المجلس أن بلادي حريصة اليوم كما كانت في السابق على معرفة المجرم الحقيقي المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيميائية في بلادي سوريا.

وانطلاقاً من هذه المبادئ الثابتة فقد انضمت حكومة بلادي لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، ونفذت كل التزاماتها بموجب اتفاقية الحظر وقد حققت بلادي انجازاً غير مسبوق في تاريخ المنظمة من خلال إنهاء البرنامج الكيميائي السوري بزمن قياسي وإلى غير رجعة وذلك مثبت في بيان البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا المقدم إلى هذا المجلس الكريم في شهر حزيران 2014. وكما أعلمتُ هذا المجلس صباح اليوم، فإن بلادي وفي إطار تعاونها المستمر والشفاف مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قد وجَّهت فعلاً البارحة رسالةً إلى مدير عام المنظمة تدعوه فيها لإيفاد بعثةٍ فنية إلى كل من خان شيخون وقاعدة الشعيرات الجوية لاستجلاء حقيقة ما حدث، بشكل شامل وشفاف ونزيه.

وتؤكد بلادي سوريا كما تؤكِّد سوريا استعدادها لتأمين وصول البعثة إلى قاعدة الشعيرات الجوية بهدف التحقيق فيما إذا كانت تخزن فيها مادة السارين أم لا. أما فيما يتعلق بمدينة خان شيخون، فإنني بكل أسفٍ مضطر للقول إن الوصول لكم أن الوصول إليها يجب أن يؤمنه تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي ومن معه من تنظيمات إرهابية أخرى هناك، وذلك عبر حكومات الدول التي تدعم هذا التنظيم وتوجِّهه وتديره على الأرض، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية وإسرائيل.

إن بلادي هي صاحبة المصلحة الأولى في جلاء الحقيقة، وهي تدعم من حيث المبدأ أي إجراء يتخذه هذا المجلس بهدف الوصول إلى هذه الحقيقة، ولكننا تعارض مشاريع قرارات تحمل في طياتها لغات سياسية ماكرة تستبق أصلاً نتائج أي تحقيق، وتنحو نحو توجيه التحقيق بشكل مسبق باتجاه اتهام الحكومة السورية، كما فعل زميلي مندوب بريطانيا ومندوب فرنسا. لقد اعتادت الدول الغربية الثلاث على إدراج لغات مماثلة في مشاريع قراراتٍ سابقة، ليُصار إلى إساءة استخدامها من قبل هذه الدول لاحقاً من أجل تبرير التدخل في شؤون دول أعضاء أخرى والعدوان العسكري عليها، كما حصل في ليبيا ودولٍ أخرى. إن من يتمعن في قراءة مشروع قرار اليوم يدرك أن الهدف الحقيقي من ورائه ليس استجلاء الحقيقة، بل انتهاك السيادة السورية بالمطلق واستغلال المعلومات التي يمكن جمعها عبر مشروع القرار هذا في حال كان قد تم اعتماده، لاستهداف كوادر ومواقع وقدرات الجيش السوري من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة المدعومة من هذه الدول الثلاث ومن شركائها في المنطقة، وذلك بحجة البحث عن "غودو الكيميائي" كما حصل في العراق......إذا كان مقدمو مشروع القرار اليوم لا يرون أي فائدة في الآليات المتاحة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فلماذا لا يقدمون مشروع قرار آخر لإنهاء أعمال منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مثلاً وتصفية أرشيفها وحفظه في صناديق فولاذية لن يسمح بفتحها إلا بعد ستين عاماً تماماً كما فعلوا بأرشيف لجان التفتيش عن شبح أسلحة الدمار الشامل العراقية، بلادي لم تستخدم السلاح الذري ضد هيروشيما وناغازاكي، بلادي لم تستخدم السلاح الكيميائي والبيولوجي ضد فيتنام، بلادي لم تستخدم اليورانيوم المنضب ضد العراق، بلادي لم تجرب سلاحاً ذرياً على جزائريين أحياء في الصحراء الجزائرية.

لقد أعلمتُ المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا بتاريخ 31 آذار 2017، خلال المباحثات في جنيف، بتقارير موثقة ومبكرة عن حيازة الجماعات الإرهابية المسلحة في مناطق ريف دمشق وإدلب وحماة، لمواد كيميائية سامة، بغرض استخدامها كسلاح ضد المدنيين. كما حذّرته من تزييف الحقائق وفبركة الأدلة والاتهامات بحق الحكومة السورية، كما حصل في مرات سابقة. قلت هذا الكلام للسيد ديمستورا قبل وقوع حادثة "خان شيخون" بخمسة أيام. وكما أعلمتكم صباح اليوم، فإن حكومة بلادي وجهت أكثر من تسعين رسالة كان آخرها منذ يومين فقط، إلى مختلف الأجهزة المختصة في الأمم المتحدة، تضمنت معلوماتٍ موثقة عن حيازة الجماعات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها "داعش" و"جبهة النصرة"، لمواد كيميائية سامة وصلت إليها، ومنها مادة السارين التي وصلت لهذه الجماعات من ليبيا عبر الأراضي التركية.

إن مقدِّمي مشروع القرار هذا يعرفون حق المعرفة بأن القرارات الصادرة عن هذا المجلس وعن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ انضمام بلادي إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية تُشكل الإطار القانوني الدولي الكافي والمناسب في هذا المجال. وإني أدعو بقية الدول الأعضاء في هذا المجلس إلى إعمال المنطق والمحاكمة الرشيدة، والسعي للحصول على إجابات واضحة وحقيقية لأسئلة يطرحها هذا الحادث المؤلم وردود فعل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عليه، دعونا نحاول الإجابة معاً على الأسئلة التالية:

لماذا لم تأتِ الأفلام والصور عن حادثة "خان شيخون" إلا من منظمات تدعي العمل في المجال الإنساني، في حين أنها مرتبطة بشكل مباشر بالجماعات الإرهابية المسلحة على الأرض؟؟ ودعوني أتحدث هنا بشكل محدد عن جماعة تسمى بـ"الخوذ البيضاء" التي منحتموها جائزة "أوسكار" في إتقان التمثيل، والتي وافيناكم مراراً وتكراراً بصور وأفلام وأدلة موثقة عن أن أعضاءها يعملون بإشراف المخابرات البريطانية، ويتم تمويلهم من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، ويقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة؟

السؤال الثاني: هل قرأتم التقرير الصادر عن منظمة "أطباء سويديون لحقوق الإنسان -  SWEDRHR" الذي كشف خداع ما يسمى "الخوذ البيضاء"؟

السؤال الثالث: هل تعلمون أن الطبيب البريطاني "شاجول إسلام" الذي كان متواجداً مع الجماعات الإرهابية المسلحة على الأرض في "خان شيخون"، وكان الشاهد الأساسي في كل الحملات الإعلامية الاستفزازية ضد الحكومة السورية، هذا الطبيب البريطاني من أصل باكستاني، كان قد اعتقل لمدة ثلاثة عشر شهراً في بريطانيا بتهم تتعلق بالإرهاب، ومنها خطف صحفيين بريطانيين في سوريا؟؟ مجرم إرهابي يصبح شاهد عيان وتبنى على شاهدته هذه الفبركة الإعلامية.

فوق ذلك كله، كيف يمكن لمن يدَّعي أنه يسعى إلى الحقيقة وعبر الشرعية الدولية، أن يشن عدواناً عسكرياً على موقعٍ يزعُم هو، بأن طائراتٍ انطلقت منه لضرب "خان شيخون" بالأسلحة الكيميائية؟؟؟

أدعوكم أيها السادة إلى قراءة ما ورد في كتاب "قصة بنغازي الحقيقية: ما لا يريد البيت الأبيض وهيلاري منكم أن تعرفوه"، لمؤلفه الأمريكي Aaron Klein والذي يشرح بالتفاصيل دور التنسيق والوساطة الذي اضطلع به السفير الأمريكي في ليبيا Chris Stevens في عمليات تصدير الأسلحة ومادة السارين من ليبيا إلى الدول التي دعمت الإرهابيين في سوريا وفي مقدمتها تركيا.

كما أدعوكم لقراءة تقرير علمي صدر اليوم عن البروفسور الأمريكي Theodor Postol المختص في العلوم والتكنولوجيا في معهد "ماساتشوسيتس"، الذي يُقيّم ما صدر عن البيت الأبيض من مزاعم حول ما جرى في "خان شيخون"، حيث يرى البروفيسور الأمريكي أن المعلومة التي اعتمد عليها المسؤولون الأمريكيون لاتهام الحكومة السورية هي حفرة على الطريق في شمال "خان شيخون"، مجرد حفرة، ثم يستنتج أن هذه البيانات تبدو أكثر اتساقاً مع إمكانية أن الذخيرة كانت موجودة على الأرض، ولم يتم إسقاطها من الجو. ماذا يسمي زميلي مندوب فرنسا قتل الطائرات الحربية الفرنسية لـ 200 مدني في قرية طوخان الكبرى في ريف حلب في 19 تموز 2016، وماذا تسمي زميلتي مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية قتل الطائرات الأمريكية لـ237 مدنياً في بلدة المنصورة بعد هروبهم من داعش في مدينة الرقة.

السيدة الرئيس،

 تؤكد بلادي استمرارها في تنفيذ جميع تعهداتها التي التزمت بها حين انضمامها إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وفي حربها على الإرهاب التي لن تتوقف تحت تأثير أي ابتزازٍ سياسي وإعلامي أو استغلالٍ رخيص لدماء الأبرياء في سوريا.

ختاماً، أوجِّه باسم حكومة بلادي الشكر والتقدير لروسيا الاتحادية وبوليفيا الصديقة اللتين صوتتا ضد مشروع القرار، والشكر للوفود التي امتنعت عن التصويت، إدراكاً منها لحقيقة الأغراض الخبيثة التي كانت تختفي وراء مشروع القرار هذا، والتزاماً منها بسيادة مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وإيماناً منها بأن مثل القرارات تؤثر على مصداقية العمل الدولي ومؤسساته، وتُهدِّد السلم والأمن الدوليين...