United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الوعي العالمي بمآسي المهاجرين غير القانونيين في منطقة حوض المتوسط مع التركيز بصفة خاصة على ملتمسي اللجوء السوريين

الجمعة, 20 (تشرين الثاني (نوفمبر 2015
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
الجمعية العامة

شكراً السيد الرئيس على عقد هذا الاجتماع الهام الذي يشغل عقول الكثير من الساسة والدبلوماسيين حول العالم، بما في ذلك في بلادي سورية نفسها.

تحظى ظاهرة الهجرة واللجوء، بجميع جوانبها، باهتمام جميع الدول الأعضاء، لكونها ظاهرة عالمية تمسّ جميع شعوب العالم، وهو الأمر الذي حدا بنا جميعا إلى إنشاء عدد من الأجهزة الدولية المختصّة كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة العالمية، وإلى تبني عشرات القرارات والوثائق التي تبرز أهمية هذه الظاهرة، وآخرها بالطبع اعتمادنا هنا لجدول أعمال التنمية لعام 2030.

إن عالمية ظاهرة الهجرة واللجوء تقتضي منا البحث بموضوعية بجميع جوانبها وآثارها حول العالم وعدم الاكتفاء بتسليط الضوء حصرا على منطقة جغرافية معينة كما يتضح من عنوان البند قيد النقاش والذي يسعى – من دون التنسيق مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط- إلى التركيز على هذه الظاهرة في منطقة حوض المتوسط فقط، وعلى السوريين دون سواهم من طالبي الهجرة واللجوء. إن عنوانا ضيقا كهذا يكشف وجود دوافع سياسية من وراء طرحه للنقاش وليس دوافع انسانية، فالهجرة واللجوء ظاهرة عامة تشمل جميع شعوب الارض ماضياً وحاضراً, ولذلك فهي تستدعي مقاربة شاملة وموضوعية تسعى وراء ايجاد حلول لها ومعالجتها بدلا من التشهير بهذه الدولة أو تلك، فحتى تكون هذه المقاربة شاملة لابد من الحديث أيضا عن مآسي اللاجئين الليبيين والعراقيين واليمنيين والافغان والاتراك وغيرهم من لاجئي القوارب الآسيويين والأفارقة.

إن الأولوية برأينا تكمن في البحث عن المسببات الرئيسية للهجرة في منطقة الشرق الأوسط، وأبرزها الإرهاب أيها السادة وهو أمر غاب للأسف عن بيان الأمين العام اليوم، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلّة، والغزو العسكري للعراق والعدوان على دول المنطقة كما حدث في ليبيا، والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، والاجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي يحلو للبعض تسميتها "بالعقوبات"، وسرقة الأدمغة، ونهب موارد الشعوب، وحرمانهم من ثرواتهم... وهنا ننوه بحقيقة أن موجة الهجرة التي تنطلق من الشرق الأوسط إلى أوروبا، عبر تركيا، لا يُشكل السوريون منها سوى 20% فقط، بينما ينتمي البقية الى دول إفريقية وآسيوية ممن حصل بعضهم على جوازات سفر سوريّة مزوّرة في تركيا، الامر الذي اثبته الصحفي الهولندي "هارالد دورونبوس"، بحصوله في تركيا على جواز سفر سوري مزور، وبطاقة شخصية مزورة عليها صورة رئيس الوزراء الهولندي "مارك روته" نفسه، وفق ما نشرته صحيفة "نيو ريفيو" الهولندية.

   وعليه تأسف حكومة بلادي للتعاطي السطحي من قبل البعض مع ظاهرة لجوء أعداد من السوريين إلى أوروبا، وإغفالهم للأسباب الحقيقة لهذه الظاهرة التي تشكل جزءاً من المشهد المؤلم الذي يعاني منه الشعب السوري، وحلقةً في سلسلة الاتجار بآلامه والتي بدأتها هذه الحكومات المتورطة في اذكاء أوار الأزمة وسفك دماء السوريين، وبعض هذه الحكومات عربي وإقليمي ودولي، وهي حكومات لم تترك سبيلاً للإساءة للشعب السوري إلا واتبعته.. فمنذ البداية سعت هذه الحكومات إلى عسكرة الأزمة ومحاولة استخدام الارهاب كسلاح سياسي لإسقاط الدولة السورية بالقوة وتحويلها الى دولة فاشلة ، كما فعلوا في ليبيا والصومال وغيرهما، وذلك كي يتم تشريع أبواب سورية أمام "الفوضى الهدّامة أو الخلاقة"، ومن ثم تدويلها والتلاعب بها في أجندات هذه الحكومات في مجلس الأمن، وابتزاز المجتمع الدولي بالواقع الانساني في سورية، وصولاً الى الاستغلال السياسي لمعاناة السوريين ممن اضطروا للجوء.

 

 

السيد الرئيس:

  إن تقديم هذا البند قيد المناقشة من قبل الوفد التركي تحديداً يدفعنا الى الريبة والشك بالأهداف الكامنة وراء سعيه لإدراج هذا البند على جدول أعمال الجمعية العامة، خاصة وأن النظام التركي كان السبب الأساسي في معاناة المواطنين السوريين وتهجيرهم نتيجة دعمه واحتضانه لنفايات الارهاب العالمي وتسهيله لتسلل الإرهابيين المرتزقة الأجانب إلى بلادي من كل حدب وصوب في انتهاك لميثاق الامم المتحدة، وللقانون الدولي، ولإعلان مبادئ العلاقات الودية وحسن الجوار بين الدول الأعضاء وهو الإعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة بالإجماع العام 1970. هذا الإرهاب الذي يستهدف وجود الدولة السورية، شعباً وأرضاً، والذي يعمل بشكل مدروس وممنهج على تدمير البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية والممتلكات العامة والخاصة، وحتى المعالم والآثار الحضارية والتاريخية في سورية ، لا بل تجاوزها ليصبح آفة عالمية تهدد السلم والأمن الدوليين ما فتئنا نحذر منه مراراً وتكراراً.

السيد الرئيس السادة الحضور،

إن طريقة التعامل التركي مع مسألة لجوء السوريين بالتحديد تدفعنا لطرح التساؤلات التالية:

  • لماذا حدثت موجات اللجوء غير المسبوقة الآن بالتحديد وعبر الأراضي التركية بالذات؟ وما هو دور ومصلحة النظام التركي في طرح هذا النقاش تحديداً وتوجيهه باتجاه ما يسمى بملتمسي اللجوء السوريين دون سواهم؟
  • إذا كان سبب لجوء السوريين هو الصعوبات الاقتصادية كما قال الوزير التركي، فلماذا تنظم الحكومة التركية عمليات تفكيك وتهريب آلاف المصانع والمعامل في حلب وإدلب ومن ثم نقلها إلى الداخل التركي؟ ولماذا تسهّل الحكومة التركية بيع "داعش" للنفط والآثار السورية عبر الأراضي التركية؟ ولماذا تسمح تركيا لدول عربية خليجية بشراء آلاف سيارات "Toyota" ونقلها عبر الحدود التركية إلى عصابات "داعش" الإرهابية" في سورية والعراق؟  
  • لماذا التغاضي عن دور المافيا التركية بتزوير جوازات السفر السورية، ورعاية عمليات تهريب اللاجئين البدائية الاجرامية عبر البحر المتوسط والتي ازهقت حتى الان حياة الالاف منهم ومن بينهم الطفل "ايلان"، عصابات سطت على ملايين الدولارات من جيوب أولئك اللاجئين؟
  • لماذا التلاعب في احصاء وتداول اعداد اللاجئين السوريين، والإصرار على تجاهل التقارير الدولية، ومنها الأوروبية، التي تفيد بان نسبة اللاجئين السوريين تشكل فقط 20% من مجموع اللاجئين الذين يتوجهون الى اوروبا؟
  • لماذا تمت سرقة وشحن الاف جوازات السفر السورية من مدينة إدلب السوريّة إلى تركيا قبل سنتين ؟ ولمن تمنح ما تسمى " سفارة الائتلاف" في الدوحة - قطر الجوازات السورية المزورة؟ وكيف تسمح بعض الدول الأعضاء لحاملي تلك الجوازات بالتنقل فيها؟

كل ذلك جعل الإرهاب يتسبّب بالمآسي في أكثر من مكان في العالم.

السيد الرئيس،

  إننا في الجمهورية العربية السورية نشعر بالأسى والألم لحال السوريين الذين اضطروا لترك  بيوتهم هرباً من الارهاب، ونعمل اليوم قبل الغد على أن يتمكن كل سوري، حيثما كان، من العودة الى بلده، وأن يساهم الى جانب ابناء وطنه في إعادة بناء سورية. فأبواب سورية مفتوحة لجميع أبنائها في الخارج، والحكومة السورية أصدرت تعليماتها لجميع بعثاتها الدبلوماسية لمنح وتجديد جوازات سفر كافة المواطنين السوريين، أينما وجدوا، ودون أي استثناء، أي منح جوازات سفر حتى "للمعارضة" نفسها في الخارج، وأعلنت ان هدفها الاستراتيجي في المرحلة القادمة هو اعادة المهجرين الى المناطق التي اعاد اليها الجيش العربي السوري الامن والاستقرار، وتوفير الخدمات الرئيسية لهم وبناء الوحدات السكنية المؤقتة واصلاح منازلهم المتضررة

إن سوداوية المشهد أيها السادة تتفاقم عندما تشير تقارير اللجان الفرعية في مجلس الأمن الى ان عشرات الاف الارهابيين المرتزقة الاجانب من 60% من الدول الاعضاء في الأمم المتحدة يتم جلبهم من أقاصي الأرض للالتحاق بالتنظيمات الارهابية الناشطة على التراب السوري والعراقي بأعداد كبيرة تجاوزت الثلاثين ألفاً حسب تقرير لجنة مكافحة الإرهاب الأخير، كل ذلك يحدث في الوقت الذي يغادر فيه عشرات الالاف من السوريين لبلادهم هربا من ارهاب هؤلاء المرتزقة الأجانب، يا لها من مفارقة، وهذا يقتضي من الدول الأعضاء الانتقال من مرحلة القول الى الفعل في تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، لاسيما القرارات 2170 و 2178 و 2199.  كما يستدعي ذلك إنهاء الاجراءات الأحادية القسرية المفروضة من قبل بعض الدول على الشعب السوري، والتي تعتبر سبباً رئيسياً في شلل الحياة الاقتصادية وتدمير البنى التحتية وإغلاق مئات المصانع، والقضاء على فرص العمل وزيادة نسبة البطالة، هذه الاجراءات التي استهدفت المواطن السوري في لقمة عيشه، لتكمل المشهد المؤلم الذي يدفع المواطن مكرهاً إلى ترك وطنه للبحث عن حياة أفضل، وليصبح في بعض الأحيان ضحية لعصابات الاتجار بالبشر وسماسرة الأزمات الانسانية. 

 

 

وأخيراً السيد الرئيس، فإننا ندعو من على هذا المنبر الى دعم الجهود الرامية الى ايجاد حل سياسي سلمي للأزمة السورية على اساس حوار سوري - سوري ، وبقيادة سورية، ودون تدخل خارجي.

وقبل أن أنزل من على هذا المنبر، أود أن أشير إلى التقارير التي تحدثت عن أن ثلثي عدد الأطفال السوريين الموجودين في المخيمات التركية لا يذهبون إلى المدارس منذ أربعة سنوات، كما جاء في تقرير لصندوق اليونسيف.

وننوه أيضاً بأن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أمر في شهر نيسان بتوقيف 34 عسكرياً وضابطاً تركياً، منهم 18 ضابط جمارك، و4 قضاة أتراك، خلال شهري نيسان وأيار من العام الجاري، وذلك على خلفية كشفهم لقضية الشاحنات المحمّلة بالأسلحة التي أمر "أردوغان" نفسه إرسالها إلى سورية بعد وضع شعارات عليها بأنها "مساعدات إنسانية" مقدّمة من تركيا للشعب السوري.

أترك تلك الحقائق لعنايتكم للتمييز بين الغث والثمين. فما يُثار هنا وهناك بشأن الهجرة واللجوء هي شعارات زائفة لا ترقى لمستوى الأزمة التي تحتاج إلى حلول توافقية لها.  

شكراً السيد الرئيس.