United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: مسألة عدم الانتشار النووي تمثل ركيزة من الركائز والأولولويات الوطنية السورية

الاثنين, 12 (كانون اﻷول (ديسمبر 2016
المتحدث: 
المندوب الدائم د.بشار الجعفري
المكان: 
الجمعية العامة

رابط الفيديو

السيد الرئيس،

يعرف الجميع هنا وعلى رأسهم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية السيد أمانو، أن مسألة عدم الانتشار النووي تمثل ركيزة من الركائز والاولويات الوطنية لسوريا قولاً وفعلاً، حيث بادرت بلادي، في وقت مبكر جداً، إلى الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار في العام 1968، قبل العديد من دول الاتحاد الأوروبي التي تدعي اليوم حرصها على نظام عدم الانتشار. لكنها في الوقت ذاته، أي هذا العديد من دول الاتحاد، وأذكر منها ألمانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا إضافة بالطبع إلى تركيا، العضو في الناتو، تمتلك على أراضيها أسلحة نووية، بما يشكل حالة عدم امتثال فاضحة لأحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. كما وقعت سوريا على اتفاق الضمانات مع الوكالة في العام 1992. علاوة على ذلك فقد تقدمت بلادي سوريا في العام 2003، وتحديداً في 27 كانون الأول 2003، عندما كانت عضواً غير دائم في مجلس الأمن، باسم المجموعة العربية آنذاك، بمشروع قرار مازال باللون الأزرق في أروقة مجلس الأمن حتى هذه اللحظة، بهدف إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط. إن مصداقية التزامنا الوطني بعدم الانتشار عصيّة على التشكيك، لاسيما وأن هذا المشروع المنسجم مع أحكام وأهداف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد اصطدم آنذاك باعتراض وفد الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن والذي هدد باستخدام امتياز النقض ضده.

ما زال البعض يكابر على حقيقة أن الخطر النووي الحقيقي الوحيد الماثل في منطقتنا يكمن في امتلاك إسرائيل للسلاح النووي ولوسائل إيصال هذا السلاح إلى مناطق بعيدة جداً عن المنطقة، حيث يصل مدى الصواريخ النووية الإسرائيلية إلى 5000 كم، ويحلو لهذا البعض فتح جبهات وهمية لتشتيت الانتباه عن خطورة الواقع النووي الإسرائيلي على شعوب العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه لمن أعدت إسرائيل هذه الصواريخ النووية التي يصل مداها إلى 5000 كم؟

 هذا التوجه غير النزيه وغير الموضوعي، يفضح زيف ادعاءاتهم بالحرص على إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط، حيث كان الأوربيون هم أنفسهم مسؤولين، منذ عقود، عن تزويد إسرائيل بالمواد والتكنولوجيا النووية التي مكنتها من امتلاك السلاح النووي ووسائل إيصاله، بما في ذلك الغواصات الألمانية المتطورة القادرة على حمـل وإطلاق الصواريخ النووية، وهي طبعاً الغواصات التي قدمت لإسرائيل. وقد عمل الأوربيون، بكل ما أوتوا من قوة، على السعي عبثاً لإخراج هذا السلاح الإسرائيلي النووي من دائرة الاهتمام الرئيسية خلال أعمال مؤتمري مراجعة معاهدة عدم الانتشار عامي 2010  و2015 في نيويورك، وكذلك عملوا على إفشال مؤتمر 2012 خدمة للتعمية على استمرار اسرائيل في امتلاك السلاح النووي على حساب أمن وسلامة شعوب المنطقة، وبما يثبت سياسات الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير.

السيد الرئيس،

إن مجلس الأمن، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يدينا عدوان إسرائيل العسكري الفاضح على بلادي سوريا عام 2007، ولم يدينا كذلك رفض إسرائيل التعاون مع الوكالة والسماح لمفتشيها وبالكشف والتحقق عن مصدر التلوث المحتمل الناجم عن الصواريخ الإسرائيلية المستخدمة والمواد التي استخدمتها في تدمير وتلويث موقع دير الزور. آخذين بالاعتبار أيضاً أن استمرار عدم تعاون إسرائيل مع متطلبات الوكالة واستمرارها في تطوير قدراتها النووية العسكرية خارج أي رقابة دولية، وتجاهلها لجميع الدعوات الرامية إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، لهو الأمر الذي يخلّ بمصداقية نظام عدم الانتشار، ويهدد أمن واستقرار دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط، ويقوض عالمية المعاهدة، وهي كلها أمور بمنتهى الخطورة ومؤكدة وموثقة ومعروفة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكنا نتوقع من السيد المدير العام للوكالة أن يتطرق إليها في بيانه كبديهيات ومسلمات بدلاً من الالتفات إلى تعابير غير حاسمة وليست ذات دلالة مثل "من المرجح جداً"! كما ورد في التقرير.

إن التزام الدول الأعضاء بالنظام الأساسي للوكالة كان يقتضي قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإبلاغ الوكالة بالمعلومات التي كانت بحوزتها قبل تدمير المبنى وليس بعد ثمانية أشهر من هذا التدمير، الشيء نفسه ينطبق على إسرائيل أيضاً التي لم تمتنع عن تزويد الوكالة بما لديها من معلومات فحسب، هذا إن صحت تلك المعلومات، بل قامت بعدوان عسكري موصوف على سيادة الأراضي السورية، متسللة عبر المجال الجوي لدولة مجاورة هي تركيا، الأمر الذي لم تتعامل معه الوكالة وفقاً لولايتها المناطة بها، ولم تتخذ إجراءاتها الضرورية وفقاً لمسؤولياتها وصلاحياتها بشأن خرق إسرائيل لالتزاماتها الدولية.

من المفيد جداً، أيها السادة، أن أقرأ على مسامعكم فقرة وردت في مذكرات المدير العام السابق للوكالة الدولية السيد محمد البرادعي، وهي الفقرة التي تظهر في الصفحتين 228 و229 من تلك المذكرات، والتي جاءت تحت عنوان:

"The Age of Deception: Nuclear Diplomacy in Treacherous Times"

وإليكم الفقرة باللغة الإنكليزية كما وردت في نصها الأصلي:

“One of the strangest and most striking examples of nuclear hypocrisy, multilateral and multifaceted, must surely be Israel's bombing of the Dair Alzour installation in Syria in September 2007, and the aftermath of that attack. Speculation began almost immediately that the site had housed a nuclear facility. Syria denied the accusations. Israel and the United States remained officially silent, although American officials talked anonymously on the subject to the media. I spoke out strongly, noting that any country with information indicating that the bombed facility was nuclear was under a legal obligation to report it to the IAEA. But no one came forward with such a report. For the six weeks following the bombing– the most crucial period in terms of our seeing inside the facility – we were unable to obtain any high resolution imagery from commercial satellites”.انتهى الاقتباس

السيد الرئيس،

إن معظم ما تضمنه استنتاج الوكالة خلال ولاية المدير العام الحالي السيد امانو، بشأن الموقع في دير الزور قد استند على تلك الصور والتحليلات التي قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مصداقية تلك المعلومات التي تلقتها الوكالة، وطبيعة الوثائق الداعمة لها، آخذين بعين الاعتبار أنها قُدمت من قبل دولة تتبع أجندة سياسية معادية لمصالح بلادي سوريا، كما تعلمون جميعاً، وآخذين بالاعتبار أيضاً سوابق في هذا الصدد تتعلق بالملف العراقي الكارثي والتضليلي الذي أدى لغزو العراق وتدمير بنيته التحتية ونشر الإرهاب فيه وفي المنطقة. ثم جاءت النتيجة بعد ذلك بسنوات في العام 2008 عندما تم دفن تقرير لجنة الاونسكوم في صندوق سري لن يفتح إلا بعد ستين عاماً لأن التقرير خلص إلى القول ان اللجنة المذكورة لم تعثر على أسلحة دمار شامل في العراق.

لقد تضمن تقرير المدير العام الأخير استنتاجات غير حاسمة، مبنية على معلومات تنقصها المصداقية والشمولية، كما أن تقييمه يتناقض بشكل واضح مع تقييم سلفه البرادعي، بما يثير علامات استفهام حول نزاهة تقرير المدير العام الحالي تستلزم منه التوضيح.

السيد الرئيس،

من الواضح أن استمرار الخلط بين ما هو التزام قانوني لدولة عضو بموجب اتفاق الضمانات، وبين ما هو إجراءات طوعية للانضمام إلى البروتوكول الإضافي، هو أمر لا يستند إلى أي أساس قانوني، ويشكل وسيلة أخرى من وسائل الضغط السياسي على بلادي.

ونحن نسأل الدول التي تعمل على تقديم غطاء للسلاح النووي الإسرائيلي، وكذلك نسأل المدير العام للوكالة الدولية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية ذاتها، عما قاموا به من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 487 لعام 1981 والذي مرّ على اعتماده أكثر من ثلاثين عاما؟ واسمحوا لي أن أقتبس ما طالب به مجلس الأمن، آنذاك، في فقرته العاملة الخامسة:

"Calls upon Israel urgently to place its nuclear facilities under the safeguards of the International Atomic Energy Agency"

هذا ما طالب به مجلس الأمن قبل ثلاثين عاماً، ولم تنفذ منه إسرائيل أي شيء؟

السيد الرئيس،

لقد أفرد المرجع المهم حول التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي الذي يصدره معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، المعروف اختصاراً باسم Sipri، أفرد فصلاً كاملاً لما أسماه "القوى النووية الإسرائيلية"، ولم يفرد أي فقرة أو سطر أو كلمة عن شيء اسمه "البرنامج السوري". وأنا أكرر دعوتي من على هذا المنبر للسيد المدير العام للوكالة الدولية إلى قراءة هذا الفصل واستخلاص العبر منه، والتعامل فوراً وبحسم مع السلاح النووي الإسرائيلي، الذي يهدد أمن وحياة وسلامة شعوب دول المنطقة جميعاً، وذلك تنفيذاً لقرارات الوكالة نفسها ولقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة بالسلاح النووي الإسرائيلي.

وشكراً السيد الرئيس،