United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: مبادرة ليختنشتاين غير قانونية وغير نزيهة

الأربعاء, 21 (كانون اﻷول (ديسمبر 2016
المتحدث: 
المندوب الدائم د.بشار الجعفري
المكان: 
الجمعية العامة

رابط الفيديو

شكراً السيد الرئيس،

شكراً بداية لكونك مستشاراً قانونياً حقيقياً تعرف كيف تبت في المسائل القانونية بنزاهة وموضوعية. وقبل ان أبدأ بياني أريد أن أهنئ امارة ليخنشتاين بتحالفها الوثيق مع مشيخة قطر في تقديم مشروع القرار هذا.

السيد الرئيس،

من جديدٍ، وبعد أيام على تحرك كندي خاطئ مماثل، تجد الجمعية العامة نفسها أمام تحركٍ، أقل ما يوصف به أنه غير قانوني وغير شفاف وغير نزيه، وذلك نتيجة لممارسات الوفد الدائم لليختنشتاين الذي أطلق هذه "المبادرة" الخطيرة والتي تُشكل خرقاً فاضحاً للفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق، وهي المادة التي نصت صراحةً على ما يلي: "ليس في هذا الميثاق ما يُسوِّغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تُحل بحكم هذا الميثاق". انتهى الاقتباس.

هذه هي المسألة التي ينبغي، أو كان ينبغي على المستشارين القانونيين أن ينكبوا على دراستها، بدلاً من محاولة منعي من مخاطبة الجمعية العامة من على هذا المنبر.

إن ما تضمنه مشروع القرار المعروض أمامكم اليوم، يُثبت نفاقاً كبيراً وفجوة هائلةً بين النظرية والتطبيق، فيما يتعلق باحترام الميثاق واحترام سيادة الدول الأعضاء. واسمحوا لي أن أدلي ببعض الملاحظات التي تنقض مشروع القرار هذا من أساسه، وتفضح نوايا مقدميه:

أولاً – أشير بدايةً، إلى الفقرة الأولى من المادة (12) من الميثاق، والتي تنص على، وأقتبس: "عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاعٍ أو موقف ما الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب منها ذلك مجلس الأمن"، انتهى الاقتباس. وفي الحالة السورية، كما تعرفون أيها السيدات والسادة، فإن مجلس الأمن ما زال مضطلعاً بمسؤولياته كما تعرفون، وقد اعتمد صباح أول أمس القرار 2328(2016). الأمر الذي يُثبت خرق الوفد الدائم لليختنشتاين، كما فعل قبله وفد كندا، لمبادئ الميثاق ومقاصده، لاسيما وأن الجمعية العامة لا تملك صلاحية إنشاء مثل هذه الآليات، التي تحدث عنها زميلي سفير ليختنشتاين، باعتبار أن هذه الصلاحية مناطةً حصراً بمجلس الأمن، بمجلس الأمن وليس بوفد إمارة ليختنشتاين المتحالفة مع مشيخة قطر. إلى جانب إن إنشاء مثل هذه الآلية يقتضي، إذا كان للجمعية العامة أن تفعل ذلك، تفويضاً من الأمين العام بعد موافقة حكومة الدولة المعنية حصراً. يعني أنه يجب توفر موافقة الحكومة السورية وهي كلها أمور لم يحترمها مقدمو هذا التحرك، ولم يراها المستشارون القانونيون.

ثانياً - إن إنشاء مثل هذه الآلية هو تدخلٌ فاضحٌ في صميم الشؤون الداخلية لدولة عضو في الأمم المتحدة، وتقويضٌ للولاية القضائية والإجراءات القانونية التي تختص بها أجهزتها وسلطاتها الوطنية. كما أن إنشاء مثل هذه الآلية في هذه المرحلة الحاسمة من الأزمة السورية، يُقوض إجراءات المصالحة الوطنية التي تنتهجها الحكومة السورية، والتي تبنتها ووافقت عليها قطاعات واسعة من أبناء الشعب السوري، وأثبتت نجاعتها في العديد من المناطق.

 والأهم من ذلك أن انشاء هذه الآلية هو تهديد مباشر لآفاق الحل السياسي في سوريا، والذي أكدت كافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بأنه حل يقوده السوريون أنفسهم. وليس إمارة لينختنشتاين المتحالفة مع مشيخة قطر. وبالتالي، فإن مشروع القرار هذا يعكس النية المبيتة لدى بعض الدول الراعية له اليوم في تسييس مثل هذه الآلية وجعلها أداةً لممارسة الانتقام السياسي، وبالتالي ديمومة النزاع في بلادي سوريا.

ثالثاً – إن مشروع القرار مبني على لغةٍ ومصطلحاتٍ ما زالت مثار نقاش ومصدر خلاف عميقين داخل هذه المنظمة الدولية، حيث يسعى واضعوه إلى الإيقاع بالدول الأعضاء وتوريطها في سوابق قانونية خطيرة ستصبح قاعدة تبني عليها دولٌ أعضاء محاولاتها لشرعنة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وما الحديث عن مصطلحات ومفاهيم من قبيل "المسؤولية عن الحماية"، أو عن "ولايات قضائية غير وطنية افتراضية"، أو عن "محاكم إقليمية ودولية وغيرها قد تملك ولايات قضائية في المستقبل"، إلا انعكاسٌ لسلوك بعض الدول الأعضاء في صياغة وتقديم مشاريع قرارات، تحت غطاء إنساني كاذب، وتضمينها لغات ماكرة ومصطلحات غامضة وعبارات فضفاضة تحتمل أكثر من تأويل، وذلك لاستغلال هذه القرارات وتفسيرها وتطبيقها بشكل يُخرجها عن الغايات الإنسانية النبيلة المعلنة فيها، خدمةً للأجندة التاريخية المعروفة لهذه الدول، التي لم تأبه يوماً لا بحقوق إنسان ولا برفاه شعوب ولا بسيادة دول، وهي أجندة متمثلة في محاولة شرعنة التدخل الخارجي، وقلب أنظمة الحكم الشرعية بالقوة العسكرية، وتدمير مقدرات الشعوب وسرقة ثرواتها، وتفتيت الدول وتفكيكها عرقياً وطائفياً ودينياً ومذهبياً... كل ذلك تحت غطاء قراراتٍ من الأمم المتحدة التي أناط بها الميثاق حماية القانون والسيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء وشعوبها، كما أناط بها العمل وإنهاء الاستعمار ... والأمثلة كثيرة وحاضرة أمامكم، أيها السادة، في مختلف أنحاء العالم، وخاصة ما حصل ويحصل في بعض الدول الأفريقية واللاتينية، وكذلك ما حصل في العراق وليبيا...

رابعاً – تجاهل معدو ومقدمو مشروع القرار تجاهلاً مطلقاً الحديث عن الإرهاب الذي تتعرَّض له بلادي سوريا، حيث لم ترد في مشروع القرار إشارةٌ واحدة أو مجرد تلميحٍ عن الإرهاب ولا عن ممارسات الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا. وهذا أمرٌ متوقعٌ حين يكون رعاة الإرهاب الأساسيون في سوريا، أي تركيا والسعودية وقَطَر، من ضمن مُقدِّمي مشروع القرار هذا.

      إن من يستحق المساءلة والمحاسبة في الجمهورية العربية السورية، هي تلك الدول التي خلقت الجماعات الإرهابية المسلحة فيها ودعمتها وموَّلتها، وفتحت أمامها خزائن النفط والغاز لشراء السلاح وتجنيد الإرهابيين وإطلاق الفتاوى التكفيرية والجهاد والقتل والتدمير، وأمنت لها المنابر السياسية والإعلامية، وفتحت حدودها من أجل وصول آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى سوريا من أكثر من مائة دولة. واسمحوا لي بالقول، في هذا السياق، أنه يكفي الوفد الدائم لليختنشتاين من سلوكيات وسياسات النفاق بأن يكون شريكاً في تبني مثل هذه "المبادرة" مع دول ترعى الإرهاب، وتقصف المدنيين في اليمن بطائراتها، وتقطع رقاب مواطنيها في الشوارع العامة باسم الدين والقانون، تماماً كما يفعل تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.

     أما نتيجة سياسات النفاق هذه، فهي وصول الإرهاب وفكره الوهابي المتطرف إلى قلب شوارع مُدنِ والعواصم الأوروبية، نتيجة تساهل الكثير من حكومات دول الاتحاد الأوروبي وتحالف بعضها مع نواطير النفط والغاز من رعاة الإرهاب، وذلك على خلفية فسادٍ سياسيٍ ومالي لبعض كبار مسؤولي هذه الحكومات، بخلاف ما يدَّعونه من حماية قيم الإنسانية والحضارة والثقافة والتقدم... وننصح في هذه المناسبة، من انضم إلى قائمة متبني هذا المشروع بقراءة الكتاب الذي صدر مؤخراً في باريس للإعلاميين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو بعنوان "أمراؤنا الأعزاء جداً" Nos très chers émirs du" ، والذي يروي قصصاً موثقة عن هذا الفساد المالي مع أمراء قَطَر والسعودية...

خامساً – لقد اتَّسمت تحركات الوفد الدائم لليختنشتاين في سبيل تقديم مشروع القرار المقدم أمامكم، بالكثير من الشبهات المتعلقة بانعدام الشفافية والنزاهة، حيث سارع خلال أقل من أسبوع إلى وضع مشروع القرار، دون أي اتصال أو تشاور مع الوفد الدائم لبلادي باعتبارها الدولة المعنية، ثم طلب عقد جلسات مشاورات غير رسمية عاجلة ومحصورة بمجموعة من الدول المعروفة بعدائها لبلادي، ووَضَعَ مشروع القرار على التصويت من خلال إجراءات سريعة تُثير الدهشة والريبة. وفي هذا السياق، ألفت عنايتكم إلى أن معدي مشروع القرار قد ضمَّنوه فقرةً تنص على أن تمويل هذه الآلية سيتم عبر تبرعاتٍ من دولٍ أعضاء، ولي كما قال سفير ليختنشتاين قبلي، قال : "أن الآلية ستمولها الميزانية العادية " وهذا كذب، وما يؤكد ذلك الفقرة العاملة الخامسة "تشير الى أن تمويل الآلية سيأتي من الميزانية ومن تبرعات خارجية". اذاً، لن تكون الآلية مستقلة. لقد أثبتت التجارب داخل المنظمة الدولية أن حكومات الدول التي تموِّل مثل هذه الآليات واللجان، هي التي تُقرِّر مسار عملها وتوجهاتها والنتائج التي ستخرج بها سلفاً، فكيف الحال إذا كان من سيموّل عمل هذه الآلية هم رعاة الإرهاب في سوريا، وعلى رأسهم السعودية وقَطَر وبعض الدول الأوروبية، التي تفننت في تصدير إرهاب أوروبي محض الى بلادي والى العراق.!!!

 

 

ختاماً سيدي الرئيس،

      إنني أطلب وضع مشروع القرار هذا على التصويت، وأدعو الدول الأعضاء التي تؤمن بمبادئ الميثاق ومقاصده، إلى التصدي لهذا التحرك وإلى التصويت ضد مشروع القرار المعروض أمام الجمعية العامة...

     إن تصويتكم، أيها السادة الزملاء، ضد مشروع القرار هذا لا يصب فحسب في المصلحة الوطنية لسوريا وشعبها الذي ما زال يعاني من الإرهاب، بل هو انتصارٌ لما تبقى من مصداقيةٍ للشرعية الدولية، وهو حمايةٌ لكم جميعاً من محاولات بعض الدول تسخير قرارات الأمم المتحدة لاستهداف السيادة الوطنية لدولكم، واستهداف المؤسسات القانونية والقضائية الشرعية التي تمثل دولنا وشعوبنا.

      وأذكركم أن بلادي لم تصوت في يوم من الأيام ضد أية دولة عضو في هذه المنظمة الدولية، إلا بما ينسجم مع أحكام الميثاق، ومبادئ القانون الدولي.

وشكراً السيد الرئيس،