United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: سورية ملتزمة بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإغلاق الملف بشكل نهائي وإخراجه من دائرة الألاعيب السياسية والتضليل الإعلامي

الخميس, 05 (تشرين الثاني (نوفمبر 2020
المتحدث: 
السفير د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

 

 

السيدة الرئيس،

أتوجه إليكم ولبلدكم الصديق، سانت فنسنت وغرينادين، بالتهنئة على توليكم رئاسة مجلس الأمن للشهر الجاري، وكلنا ثقة بإدارتكم الناجحة لأعمال هذا المجلس. وأشكركم على عقد هذه الجلسة المفتوحة للمجلس حول ما يسمى بـ"الملف الكيميائي".

السيدة الرئيس،

       أسجل بدايةً الإعراب عن رفضنا القاطع لما ذكرته السيدة ناكاميتسو بخصوص عدم تلقيها لأي رد أو معلومات جديدة من الحكومة السورية قبل تقديمها لهذه الإحاطة، فهذا كلام غير صحيح على الإطلاق، ذلك أننا كنا قد وجهنا يوم أمس رسالتين بالبريد الإلكتروني للسيدة ناكاميتسو تتضمنان أبرز المعلومات والمستجدات حول التعاون السوري ومضمون الرسالة الرسمية التي وجهّها السيد نائب وزير الخارجية والمغتربين إلى المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بتاريخ 4 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، والتي تتضمن ردوداً على بعض استفساراته. علاوة على ذلك، فإن سورية تستضيف حالياً وفداً من الخبراء والمفتشين وصلوا في 3 تشرين الثاني الجاري وسيبقون حتى 24 تشرين الثاني الجاري، وسورية تتعاون تعاوناً تاماً مع المنظمة وتؤمن لهم الحماية والامن والسلامة والدخول غير المقيد إلى كل الأماكن التي يريدون تفتيشها. وهذه هي الجولة السابعة للتفتيش، وقد صدرت تقارير الجولة السادسة، وأكّد فيها خبراء المنظمة عدم وجود أيّة مواد كيميائية وأيّة أنشطة محظورة بموجب الاتفاقية في مركز البحوث في برزة وجمرايا. طبعاً هذا الكلام للرد على كل من حاول تضليل المجلس اليوم بالقول بأن الحكومة السورية لا تتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

السيدة الرئيس،  

لقد استمعت باهتمامٍ إلى بيانات السيدات والسادة الزملاء في هذه الجلسة، وفي حين أعربُ عن تقديرنا البالغ لمواقف الدول الأعضاء المتمسكة بمبادئ القانون الدولي وأحكام الميثاق، والتي تشاطرنا إدانة استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في أي زمانٍ ومكان وتحت أي ظرف كان، فإن موقفنا مع هذه الدول يركز، ببساطة، على ضرورة الابتعاد عن تسييس هذه القضايا الهامة والحفاظ على الطابع الفني لعمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومصداقيتها ومهنيتها. من هذا المنطلق، فإنني أتوقف مستغرباً كل الاستغراب أمام المشهد السوريالي العبثي الذي يُكرّره ممثلو الدول الغربية بلا كلل أو ملل في إصرار على التمسك بنهج غوبلز الذي يعرفونه جيداً، وإمعانٍ في إنكار كافة الحقائق والأدلة والبراهين التي تؤكد عدم صحة مزاعمهم.

إن مواقف حكومات الدول الغربية في تعاملها مع القضايا المتعلقة بالوضع في بلادي، سواء ارتبطت بالشأن السياسي أو الإنساني أو الكيميائي، تذكرني برواية الكاتب الاسكتلندي الشهير روبرت ستيفنسون التي تحمل اسم "الدكتور جيكل والسيد هايد Dr. Jekyll and Mr. Hyde"، فهذه الدول تحاول جاهدةً تقمص دور الدكتور جيكل، الشخصية الطيبة، عندما تتشدق بالحديث عن القيم والمبادئ النبيلة والشعارات الرّنانة، في حين أنها تنتهج في الواقع، وفي تعاملها مع غيرها من الدول، سلوك المستر هايد، الشخصية الشريرة التي لا تتوانى عن ارتكاب شتى أنواع الجرائم وتستمتع بمعاناة ضحاياها. إن حكومات تلك الدول مسؤولة بشكلٍ مباشر ولا يقبل التشكيك عن المعاناة التي يعيشها السوريون منذ حوالي تسع سنوات وذلك لانخراطها المباشر في الحرب الإرهابية والسياسية والاقتصادية والمالية على بلادي.

وحتى في مجال نقاشنا اليوم، والمرتبط بالحد من التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، تبرز الهوة العميقة والانفصام في مواقف الدول الغربية التي دمرّت العراق تحت ستار أكاذيب ثَبُتَ زيفها، والتي تشن - منذ سنوات - حملة تضليلية وتلفق الاتهامات ضد بلادي، في حين أنها هي ذاتها تقدم الرعاية والدعم العسكري والفني والإعلامي لتعزيز ترسانة الاحتلال الإسرائيلي من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية لا بل تتولى مهمة الدفاع عنها في المحافل الدولية لاستدامة انتهاكات إسرائيل للاتفاقيات والصكوك الدولية ذات الصلة. فهل تنسجم مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وشغل المقاعد الدائمة وغير الدائمة في هذا المجلس مع هذا الانفصام والانتقائية والازدواجية في المعايير؟ وأين ذهبت دروس التاريخ وشهادات وتقارير هانز بليكس وسكوت ريتر وديفيد كيلي وخوسيه بستاني وغيرها من الوثائق التي تفضح تلاعب دول بعينها بهذه القضايا لخدمة أجنداتها على حساب السلم والأمن الدوليين وأرواح ورفاه شعوبنا؟ وماذا عن الحقائق والبراهين التي قدمها المفتش في منظمة الحظر ايان هندرسون، والبروفيسور ثيودور بوستول، والسيد آرون ماته، خلال الجلسةً غير الرسمية التي عقدها مجلس الأمن بتاريخ 27/9/2020 وفق صيغة آريا وبمبادرة روسية مشكورة؟ وكلكم تذكرون الفضيحة التي حصلت عندما منعت الدول الغربية السيد خوسيه بستاني من الحديث!

السيدة الرئيس،

تؤكد الجمهورية العربية السورية مجدداً أنها لم تستخدم الأسلحة الكيميائية، ولم تعد تمتلكها أساساً، وأنها التزمت ولا تزال ملتزمة بالتعاون مع منظمة الحظر وأمانتها الفنية وفريق تقييم الإعلان وذلك لتسوية جميع المسائل العالقة بما يتيح إغلاق هذا الملف بشكل نهائي في أقرب وقت ممكن وإخراجه من دائرة الألاعيب السياسية والتضليل الإعلامي.

وأذّكرُ، في هذا الصدد، بأن بلادي سوريا تمكنت، رغم الظروف الأمنية الصعبة التي مررنا بها قبل سنوات ورغم التحديات الجسيمة التي فرضتها التنظيمات الإرهابية والإرهابيون العابرون للحدود ومشغليهم، من التعاون مع الأمم المتحدة في نيويورك ومنظمة الحظر في لاهاي للوفاء بتعهداتها الناجمة عن انضمامها لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2013. وقد أسفر ذلك التعاون، كما تعرفون، عن التخلص من كامل المخزون الكيميائي السوري وتدمير مرافق الإنتاج ذات الصلة، وقد زفّت السيدة "سيغريد كاغ"، رئيسة البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سورية، هذا النبأ لمجلسكم في إحاطتها المقدمة قبل ما يزيد عن خمسة أعوام (حزيران 2014)، كما أكدته الوثائق الصادرة عن الأمانة الفنية لمنظمة الحظر وآخرها التقرير الشهري /85/ للمدير العام الصادر بتاريخ 26/10/2020.

السيدة الرئيس،

بالرغم من هذه التأكيدات، وبرغم مشاهدة الدول الغربية بأعين ممثليها لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية السورية على متن السفينة الأمريكية MV-Ray وسفن أخرى تابعة لدول أوروبية، فقد تمسكت بعض الدول الأعضاء بمواقفها العدائية تجاه بلادي، وسعت لزيادة التصعيد والضغط السياسي، وشنّت أعمال العدوان الأحادية تارةً والثلاثية طوراً التي استبقت أي مساع للتحقق واستجلاء الحقائق وسوّت منشآت مدنية كمركز برزة للبحث العلمي بالأرض رغم تأكيدات المنظمة وفرقها عدم استخدامه في أي أنشطة غير مشروعة وتفتيشه مراراً، وعمدت هذه الدول إلى ابتكار آليات غير شرعية تم تمريرها على نحو مخالف للقانون ولأحكام اتفاقية الحظر مثل "فريق التحقيق وتحديد الهوية IIT"، والبناء على تقارير هذا الفريق التي تفتقر لأدنى مقومات المصداقية والمهنية كتقرير حوادث اللطامنة المفبرك، وتجاهل المعلومات المقدمة من كل من الجمهورية العربية السورية والاتحاد الروسي، وتسويق القرار الصادر عن الدورة /94/ للمجلس التنفيذي لمنظمة الحظر، وفرض مواعيد وآجال زمنية مصطنعة لا تنسجم مع التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، وصولاً إلى تقديم الإدارة الأمريكية الحالية لمشروع قرار تصعيدي في هذا المجلس يهدف لخدمة أجنداتها وفرضها بالضغط والتهديد.

هذا يعيدنا، السيدة الرئيس، للدكتور جيكل والمستر هايد، فالولايات المتحدة الامريكية التي تدعي الحرص على الحد من التسلح ومنع الانتشار، والتي تقدمت لمجلسكم بمشروع قرارٍ ضد بلادي، هي ذاتها الدولة الوحيدة الطرف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية والتي لا تزال تمتلك مخزوناتٍ هائلة من هذه الأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية وترفض تدميرها، والتي تسعى وحلفاؤها للتغطية على جرائم التنظيمات الإرهابية واستخدامها لأسلحة كيميائية وغازات سامة ضد المدنيين السوريين وضد قوات الجيش العربي السوري. وقد تجلى ذلك مجدداً في تقرير "بعثة تقصي الحقائق" المتعلق بحادثة حلب التي وقعت بتاريخ 28/11/2018، والتي استخدمت فيها التنظيمات الإرهابية الأسلحة الكيميائية مما أسفر عن إصابة /125/ مواطناً مدنياً وعسكرياً، فخلصت البعثة إلى الالتفاف على هذه الحقائق الدامغة بالادعاء العجيب بأنها غير قادرة على تحديد ما إذا كانت المواد الكيميائية قد استخدمت في هذا الهجوم، وذلك على الرغم من الأدلة والبراهين التي قدمتها الحكومتان السورية والروسية لها. فهل كانت بعثة التحقيق ستتبنى نفس الموقف في حال كان من الممكن تلفيق اتهام للحكومة السورية بالمسؤولية عن ذلك؟

السيدة الرئيس،

إن بلادي ملتزمة بالاستمرار بالتعاون مع الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفريق تقييم الإعلان لحل جميع المسائل العالقة. وانطلاقاً من ذلك، فقد وجهت حكومة بلادي، بتاريخ 4/11/2020 أي يوم أمس، رسالةً رسمية إلى المدير العام للمنظمة تضمنت ردوداً على استفساراته بخصوص تنفيذ قرار الدورة /94/ للمجلس التنفيذي حول حوادث اللطامنة. كما قدمت بلادي بتاريخ 15/10/2020 تقريرها الشهري /83/ للأمانة الفنية حول النشاطات المتصلة بتدمير الأسلحة الكيميائية ومنشآت انتاجها، وتم في شهر أيلول الماضي تمديد اتفاق التعاون الثلاثي بين الحكومة السورية والأمم المتحدة ومنظمة الحظر لمدة ستة أشهر اعتباراً من 30/9/2020. وعقدت خلال الفترة ما بين 28/9/2020 و1/10/2020 الجولة /23/ من المشاورات بين الحكومة السورية وفريق تقييم الإعلان الذي زار دمشق وقدمت له الحكومة السورية كافة التسهيلات لإنجاح مهمته. على الرغم من كل هذه المعلومات فإن بعض الزملاء في هذا المجلس والسيدة ناكاميتسو ينبرون للقول بأن الحكومة السورية لا تتعاون مع منظمة الحظر ولا مع فريق تقييم الإعلان.

بناءً على هذه المعطيات الإيجابية من جانب بلادي، نطالب الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كافةً برفض تسييس الطابع الفني للمنظمة، ومعالجة ما شاب عملها من تسييس وعيوب جسيمة من شأنها تقويض مكانة ومصداقية المنظمة. كما نطالب الممثل الأعلى لنزع السلاح، ايزومي ناكاميتسو، بالتزام ضوابط المهنية والحيادية والموضوعية وعدم تجاهل ما نقدمه لها من معلومات وذلك حرصاً على ولاية الأمم المتحدة ومصداقيتها.  

وتجدد حكومة بلادي الإعراب عن دعمها لروسيا الاتحادية في مواجهة المزاعم الغربية المتعلقة بما يسمى بقضية نافالني ومن قبله سكريبال.

ختاماً، السيدة الرئيس، من المؤسف أن تغيب أصول التخاطب الدبلوماسي، بحدها الأدنى، عن مقاربة الزميل مندوب ألمانيا. كنا نفترض أن يتحسن أداؤه ويصقل لغته بعد أن أمضى ما يقارب عامين في عضوية مجلس الأمن غير الدائمة لحسن الحظ. يشير التاريخ إلى أن ألمانيا كانت في حالة حرب مع بلادي في بداية الحرب العالمية الثانية عندما قامت قوات ألمانيا النازية مع قوات نظام فيشي الفرنسي العميل باجتياح بلادي، الأمر الذي دفع بسوريا لإعلان الحرب، لاحقاً، على ألمانيا النازية ثم المشاركة، مع الدول المنتصرة على ألمانيا النازية، في تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945. التاريخ يعلمنا أيضاً أن بلدينا احتفظا بعلاقات طبيعية منذ القضاء على النازية، غير أن المندوب الألماني في المجلس يصّر في مداخلاته المتكررة على اعتماد لغة مفرطة في العدائية تجاه بلادي وكأننا في حالة حرب! نحن من طرفنا، أيها السادة، لسنا في حالة حرب مع ألمانيا خلافاً لقناعات وأوهام السفير الألماني.  

وشكراً السيدة الرئيس.