United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: سورية تطالب مجلس الأمن باعتماد مشروع قرار يلزم الدول الأعضاء بالتعاون للقضاء على ظاهرة الإرهابيين الأجانب وإلزام الدول المعنية باستعادة إرهابييها

الجمعة, 18 (أيلول (سبتمبر 2020
المتحدث: 
السفير د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

 

 

السيد الرئيس،           

       صوّت مجلس الأمن قبل أيام، وتحديداً بتاريخ 31/8/2020 أي في اليوم الأخير للرئاسة الإندونيسية للمجلس، على مشروع قرارٍ خاصٍ بمكافحة الإرهاب كان من المفترض أن يساهم في معالجة أحد مواطن الضعف وردم فجوة هامة في هذا المجال من خلال مطالبة الدول الأعضاء في منظمتنا الدولية باستعادة ومقاضاة أو إعادة تأهيل رعاياها من "الإرهابيين بلا حدود" أو ما يحلو للبعض تسميتهم بـ"المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، وتخليص الدول التي ينشط فيها هؤلاء الإرهابيون من شرورهم وجرائمهم.

       وللأسف، أكدت عملية التفاوض على مشروع القرار ذاك تشبت بعض الدول الأوروبية الممثلة في هذا المجلس بموقفها الأناني واللا مسؤول الرافض لاستعادة ومساءلة رعاياها من عتاة الإرهابيين، وإمعانها في محاولات التنصل اللاأخلاقية من مسؤولياتها ذات الصلة، وهو أمر يثير استياؤنا البالغ؛ ذلك أن بلادي سوريا، وكما يعلم الجميع، استهدفت على مدى السنوات الماضية بحرب إرهابية وحشية جنّدت فيها حكومات دول معروفة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وقدمت لهم شتى أشكال الدعم، ويسرت تسللهم إلى بلادي عبر حدودنا المشتركة مع تركيا بشكل أساسي، لزعزعة أمن واستقرار سوريا ومحاولة النيل من سيادتها ووحدة وسلامة أرضها ودورها في المنطقة، والتمهيد لأعمال العدوان والاحتلال بذريعة مُضلِلة ألا وهي مكافحة تنظيم داعش الإرهابي. كيف يمكن لأحد زعم مكافحة داعش في حين أنه هو من صنعها؟

السيد الرئيس،  

       يجدد وفد بلادي التأكيد على إدانته ورفضه التام للنهج الانتقائي الذي تعتمده بعض حكومات الدول الأعضاء إزاء مسألة التصدي للتهديد الذي يمثله الإرهاب على السلم والأمن الدوليين، واعتبارها الإرهاب أداة مشروعة يمكن الاستثمار فيها طالما أنه لا يستهدف دولهم، وتوصيف الإرهابيين على أنهم "معارضة سورية مسلحة معتدلة" أو "جماعات مسلحة من غير الدول" أو "ثوار" أو "جهاديين" أو مناضلين من أجل الحرية والديمقراطية لا يمثلون أي تهديد للسلم والأمن لأي دولة أو منطقة أو للعالم بأسره شريطة أن لا يفكروا يوماً بالعودة إلى بلدانهم الأصلية لمتابعة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها.....

       بالتالي، فإن الدول الغربية التي دأبت على إغراق بعض الدول الفقيرة والنامية بنفاياتها النووية وغير النووية لحماية بيئتها المحلية من التلوث عازمة على إغراق دول بعينها بنفاياتها البشرية من الإرهابيين والمتطرفين والمرتزقة والقتلة بعد أن استخدمتهم لاستهداف دول بعينها من بينها بلادي. إن ما يؤكد وجاهة ما نقوله هو أن بعض الحكومات الغربية لا تزال ترفض استعادة رعاياها من الإرهابيين وعائلاتهم وأطفالهم - ونحن هنا نتحدث عن 72.000 ألف إرهابي ومشروع إرهابي موجودين في مخيم واحد تحت إشراف قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات الانفصالية العميلة له - وتقوم باتخاذ إجراءات لا قانونية ولا شرعية للتنصل من مسؤوليتها عنهم والتهرب من واجباتها باستعادتهم ومقاضاتهم أو إعادة تأهيلهم. وقد رأينا خلال السنوات الماضية، مسعىً بريطانياً، على سبيل المثال لا الحصر، لإسقاط الجنسية عن الإرهابيين البريطانيين الموجودين في بلادي كي لا يفكروا مجرد تفكير بالعودة إلى المملكة المتحدة، وحصل الأمر نفسه في دول أخرى. كما رفضت الحكومة البلجيكية – التي تتشاطر مع المانيا حمل ما يسمى بالقلم الإنساني وتزعم الحرص على الوضع الإنساني في بلادي - رفضت استعادة زوجات مقاتلي داعش البلجيكيات، واكتفت بإبداء استعدادها لاستقبال الأطفال دون سن العاشرة حصراً رغم القرارات الصادرة عن القضاء البلجيكي والتي تطالب بعدم فصل الأطفال عن أمهاتهم. أي نفاق هذا؟

السيد الرئيس،

       أكدت الأمم المتحدة في تقارير الأمين العام وتقارير فريق الرصد والدعم التحليلي التابع للجنة القرار 1267 (1999) وجود عشرات آلاف المقاتلين الإرهابيين الذين قدموا إلى بلادي من أكثر من مئة دولة عضو في المنظمة، كما أشار المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، قبل سنوات، إلى وجود حوالي /4300/ إرهابي أوروبي يقاتلون في سوريا والعراق، من بينهم /2838/ إرهابياً من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا، أي بواقع أكثر من /700/ إرهابي لكل واحدة من الدول الأربعة التي ذكرتها والتي تتمتع جميعها حالياً بعضوية مجلس الأمن وحلف الناتو. وبطبيعة الحال، فإن هذه الأرقام قد جرى التلاعب بها وتقليصها للتستر على ممارسات حكومات الدول الأربعة، فإحصاءاتنا نحن كحكومة سورية أكثر من ذلك بكثير.

       يعيد وفد بلادي التأكيد على أن نجاح أي حل سياسي للأزمة وإعادة الأمن والاستقرار إلى جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية والارتقاء بالوضع الإنساني يستلزم مكافحة الإرهاب، واستعادة حكومات الدول المعنية لوحوشها وأكلة لحوم البشر من إدلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة والكيانات الإرهابية المتعددة الأسماء والهويات الموالية لها، وكذلك من معسكر الهول الذي تديره قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات الانفصالية العميلة لها، وتلافي جعل هذه المسألة محل مقايضة أو صفقات مشبوهة ترمي لمحاولة إضفاء نوع من الشرعية أو الاعتراف بتلك الميليشيات المنخرطة في عمليات تهريب لبعض عناصر داعش أو للأطفال إلى دول مجاورة كما جرى قبل أيام عندما أصيب أكثر من /25/ طفلا بحالات اختناق وتسمم بعد تناولهم جرعات زائدة من المواد المنومة خلال التحضير لتهريبهم عبر صهاريج مياه وصناديق إلى خارج مخيم الهول. وبطبيعة الحال لم نسمع عن هذه الجريمة في أي احاطة أو في وسائل الإعلام الغربية. ولا أريد تسمية الدول الغربية وغيرها التي دفعت مبالغ مالية للميليشيات الانفصالية المسلحة مقابل استلامها لبعض الأطفال أو المسلحين، إضافةً إلى البيانات السياسية التي صدرت لصالح هذه الميليشيات.

السيد الرئيس،

       في الوقت الذي نتوجه فيه بالشكر للزميل مندوب إندونيسيا الدائم على جهوده خلال المفاوضات المتعلقة بمشروع القرار الخاص باستعادة ومقاضاة أو إعادة تأهيل المقاتلين الإرهابيين الأجانب، فإن بلادي تطالب بمواصلة الجهود في مجلس الأمن لاعتماد مشروع قرار بديل وحازم تحت الفصل السابع من الميثاق يلزم الدول الأعضاء كافة بالتعاون للقضاء على ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وضمان التزام حكومات الدول المعنية باستعادة رعاياها منهم ومساءلتهم عن جرائمهم واتخاذ الإجراءات الرادعة بحقهم وذلك للوفاء بحصتها من الجهد الدولي لتخليص العالم بأسره من آفة الإرهاب.

       وألفت عنايتكم إلى توفر معلومات تفيد بأن عدداً من عناصر تنظيمي "الخوذ البيضاء" و"هيئة تحرير الشام" الإرهابيين، وبإشراف من بعض الضباط الأتراك، يعملون على التحضير لارتكاب جريمة كيميائية جديدة في مدينة أريحا ومنطقة بسامس في شمال غرب سوريا. وأنهم قاموا بإعداد مسرح الجريمة واختطاف عدد من الأطفال وتحضير بعض الرهائن والمحتجزين لديهم لاستخدامهم في جريمتهم ومن ثم كيل الاتهامات للجيش العربي السوري وتوفير الذريعة لاحتلال مدينة لإدلب وريفها بشكل علني ولاستهداف كافة المطارات السورية.

السيد الرئيس،

       تجدد الحكومة السورية تأكيد التزامها بالحل السياسي القائم على الحوار الوطني السوري – السوري بملكية وقيادة سورية، دون أي تدخل خارجي، وبتيسير من الأمم المتحدة، في ظل الالتزام الصارم والغير قابل للنقاش والاحترام التام من قبل جميع الدول الأعضاء في هذا المجلس وخارجه بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها. كما تؤكد حكومة بلادي استمرارها بالتوازي في العمل على مكافحة الإرهاب واستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للشعب السوري.  

       وتذكر الحكومة السورية بضرورة الالتزام التام بمرجعية وقواعد عمل اللجنة الدستورية، وعدم التدخل الخارجي في عملها، أو محاولات فرض جداول زمنية أو آجال مصطنعة لعملها.

       السيد الرئيس، لقد استمعتم جميعاً لإقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أيام، بأن إدارته كانت تخطط لاغتيال رئيس الجمهورية العربية السورية، وهو الأمر الذي يؤكد المستوى الذي انحدر إليه التفكير والسلوك السياسي الأرعن لهذه الإدارة. وهنا أتوجه بالسؤال لمعالي الأمين العام وللسيدات والسادة الزملاء في هذا المجلس: هل يبقي هذا الموقف الأمريكي العدائي الموجه ضد رئيس دولة عضو في هذه المنظمة أي معنى لحديث الإدارة الأمريكية عن دعمها لإيجاد حل سياسي سلمي تيسره الأمم المتحدة للأزمة في بلادي؟

       ختاماً، لاحظت أن زميلي مندوب المملكة المتحدة قد تقمّص شخصية شارلوك هولمز بدلاً من أن يقتدي بشكسبير ويتبع نصائحه الأخلاقية الصالحة لكل زمان ومكان. لا يكفي أن يحيك المرء قصة مليئة بالكذب والتضليل والتحامل، بل المطلوب هو أن تكون القصة واقعية ومفيدة وتطرح حلولاً عقلانية لسيناريوهات عبثية.

       إن ماضي السياسة البريطانية لا يدعو للفخر وليس قدوةً لأحد. وها هو الحاضر يؤكد ذاك الماضي عندما اجتاحت المظاهرات الشعبية مؤخراً مدن بريطانيا وحطّمت تماثيل تجار العبيد الذين خطفوا ملايين الأفارقة الأبرياء من بيوتهم ونقلوهم في رحلات عذاب لا يوصف إلى القارة الأميركية. وأبرز تجار الآلام البريطانيين الذي تم تحطيم تمثاله في مدينة بريستول هو ادوارد مولسن. لذلك، توقفوا عن الوعظ وتعلّموا من تاريخكم.

       وشكراً السيد الرئيس.