United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: سورية أوفت بالتزامات انضمامها لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية ودمرت كامل مخزونها ويجب إغلاق هذا الملف نهائياً

الخميس, 10 (أيلول (سبتمبر 2020
المتحدث: 
السفير د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

 

 

السيد الرئيس،

اسمحوا لي أن أستهل بياني هذا بتهنئة سعادة المندوب الدائم لجمهورية النيجر الصديقة السفير عبدو أبَّاري، على تولي بلاده رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر. وأشكر الصديق العزيز مندوب إندونيسيا الدائم على إدارته المتميزة لأعمال المجلس خلال رئاسته له في الشهر المنصرم.

السيد الرئيس.. أيها الزملاء الأعزاء..

تذكرون جميعاً، أن مجلس الأمن كان قد أغلق ملف ما يسمى "آلية التحقيق المشتركة" أي JIM في تشرين الثاني من العام 2017، وذلك بسبب الممارسات الباطلة وغير المهنية التي شابت عمل تلك الآلية نتيجة الضغوط التي تعرض لها فريقها، من قبل حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بهدف الاستمرار في إصدار تقارير غير موضوعية ومنحازة ضد بلادي سورية واتهامها بأي ثمن في الجرائم الشنيعة باستخدام المواد الكيميائية ضد المدنيين في سورية، كوسيلة للتشهير بالحكومة وتبرير أعمال عدائية ضدها.

ولإنعاش الذاكرة فقط، فإني أذكِّر هذا المجلس بأن أحد تقارير الـJIM، وجَّه الاتهام لسورية في واحدة من حوادث استخدام المواد الكيميائية السامة، وهي حادثة "خان شيخون"، وذلك بناءً على سرديات وتقييمات استخدم فيها فنيو وخبراء تلك الآلية مصطلحاتٍ ظنية وغير يقينية، مثل "من المحتمل – هناك اعتقاد – قد يكون على الأرجح – لا دليل قاطع – Likely - Unlikely.."، حتى بلغ عدد مرات استخدام تلك المصطلحات في ذلك التقرير إثنين وثلاثين مرة! هذا إلى جانب إجراء تحقيقاتٍ هوليوودية عن بعد دون زيارة موقع الجريمة، وفشل معدِّي تقارير الـ JIM في توفير الأدلة والإثباتات العلمية اليقينية بخصوص صحة وسلامة تسلسل عهدة الأدلة التي تم الاستناد إليها في توجيه الاتهامات الزائفة ضد الجمهورية العربية السورية، أي ما يعرف قانونياً وعلمياً بــ"Chain of Custody".

دعوني هنا أعيد ذاكرتكم الكريمة إلى ذلك اليوم المشؤوم، الذي جاء فيه وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق كولن باول إلى هذا المجلس، وكرَّر ذات المصطلح غير اليقيني "معلومات ذات مصداقية عالية" أو “high confidence” قبل غزو قوات بلاده والقوات البريطانية للعراق في العام 2003. طبعاً، ثم كرر زميله جون كيري نفس المصطلح المضلل أمامكم في هذا المجلس ضد بلادي بشأن حادثة الغوطة في آب 2013. وكأن سيادة وسلامة ووحدة أراضي الدول الأعضاء هي رهن مصطلحاتٍ ظنية غير يقينية يستخدمها هذا المسؤول الغربي أو الأممي، أو ذاك!!!

وفي جميع الأحوال، كان الاعتقاد حينها وبعد إنهاء ولاية الــ"JIM"، بأن قطع الطريق أمام أساليب العمل غير المتوازنة وغير المهنية التي اتبعتها تلك "الآلية"، أي الـ"JIM"، سُيسهم في إعادة الأمانة العامة والمسؤولين فيها عن هذا الملف إلى جادة الصواب، إلا أن هذا الوضع المؤسف لم يتغير فبقي مكتب الممثل الأعلى لشؤون نزع السلاح في الأمانة العامة للأمم المتحدة، وبقيت الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أسيرين لرغبات وأهواء وجنوح حكومات  معادية، التي لا تزال تعيش إلى اليوم حالة الهوس العدائي ضد الجمهورية العربية السورية.

السيد الرئيس،

منذ اعتماد القرار 2118 (2013) لا يزال بعض أعضاء هذا المجلس إلى اليوم يدفع باتجاه عقد جلساتٍ شهرية بلغ عددها حتى الآن 84 جلسةً رسمية، من دون غايةٍ ولا نتيجة سوى السعي لابتزاز الحكومة السورية وحلفائها على خلفية الملف الكيميائي. لا لشيء إلا لأن الحكومات الأمريكية والبريطانية والفرنسية لا تريد الاعتراف بالحقيقة الراسخة منذ حزيران 2014، حين أتت السيدة "سيغريد كاغ"، رئيسة البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سورية إلى هذا المجلس، وقدمت تقريرها النهائي الذي أكدت فيه أن سورية التزمت وأوفت بجميع تعهداتها، وتدمير كامل المخزون الكيميائي على متن السفينة الأمريكية MV-Ray. وأودّ تذكيركم بأن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكّدت على أنه قد تم تدمير جميع مرافق الإنتاج الـ 27، وبالتالي فإن سورية التزمت بتعهداتها نصاً وروحاً ولم تعد تمتلك أي أسلحة كيميائية. مما يعني وبكلمات واضحة لا جدل فيها: أنه منذ العام 2014، لا تملك سورية أي برنامج أو سلاح كيميائي. وهذا هو الكلام اليقيني الوحيد الذي يجب الاعتداد به..

السيد الرئيس، أيها الزملاء الأعزاء...

إن ما يصدمنا ويجعلنا نشعر بالاسى أن في الأمم المتحدة مسؤولون رفيعو المستوى، وأعني تحديداً وكيل الأمين العام المفوض الأعلى لشؤون نزع السلاح، ممن لا يملكون الحد المطلوب من الاستقلالية والمهنية للنأي بأنفسهم ومركزهم الرفيع والحساس، عن محاولات تسييس الملف الكيميائي وابقائه سيفاً مسلطاً على رقبة الجمهورية العربية السورية وحلفائها. وكأنهم ينسون ماذا فعلت حكوماتٌ، في مقدمتها حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا، من أجل تدمير بلدٍ مثل العراق باستخدام نفس الأساليب المضللة.

وكم كان حرياً بالسيدة ناكاميتسو أن تتعامل بشكل مهني وإيجابي مع المعلومات الموثقة والدقيقة التي نقدمها لها حول حيازة واستخدام المجموعات الإرهابية المسلحة للمواد والأسلحة الكيميائية وأن تستحضر وتقتدي بتلك التجربة التاريخية النزيهة للسيدين سكوت ريتر، مفتش الأمم المتحدة الذي عمل في إطار الفريق المكلف بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق (اونسكوم)، وهانز بليكس، الذي ترأس فريق الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة (اونموفيك). هذان المسؤولان الأمميان رفضا حينها الخضوع للضغط والابتزاز السياسي الذي مارسته الحكومتان الأمريكية والبريطانية بقصد تبرير الغزو العسكري للعراق، وذلك حين أعلنا أن لا أدلة على وجود أسلحة دمار شامل في ذلك البلد الشقيق. أنظروا إلى جرى للعراق....!

السيد الرئيس،

إن حكومة بلادي قد أوفت بالتزاماتها الناشئة عن انضمامها لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، وحرصت سورية دوماً على التعاون بشكل إيجابي ومهني وشفاف مع مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمانة الفنية للمنظمة وفرق التفتيش وفريق تقييم الإعلان وبعثة تقصي الحقائق لتنفيذ التزاماتها، بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وذلك بالرغم من التحديات الكبيرة الناجمة عن تبعات الاحتلالين الأمريكي والتركي لأجزاء من بلادي، والسلوك الاستفزازي العدائي الذي انتهجته بعض الأطراف الإقليمية والدولية، علاوةً على فرض الإجراءات القسرية أحادية الجانب ضد الشعب السوري والدولة السورية. وتعيد ترحيبها بزيارة فريق تقييم الإعلان لعقد جولة المشاورات الـ 23، والتي اجلتها الأمانة الفنية نتيجة تفشي جائحة COVID-19 بهدف حل جميع المسائل المعلّقة، إن ذلك الحوار المنظم أدى إلى إحراز تقدم كبير في العمل، وتأمل سوريا أن يتم إغلاق هذا الملف نهائياً حيث أن المشاورات حول المسائل العالقة قد أشبعت نقاشاً.

ومن هذا المنطلق، فإن وفد بلادي يشدد على تمسكه القوي بمبدأ عدم الخلط بين ولايات واختصاصات الهيئات الدولية المختلفة، ورفضه أي محاولة لإقحام مجلس الأمن في قضايا فنية بحتة تعالجها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي. ولهذه الاعتبارات والحقائق مجتمعةً، أعيد التعبير من جديد عن أسف وقلق حكومة بلادي تجاه المخالفات والتجاوزات القانونية والإجرائية التي أقدمت عليها المنظمة حين خرقت نص الاتفاقية وأنشأت ما يسمى "فريق التحقيق وتحديد الهوية" في الدورة الاستثنائية لمؤتمر الدول الأطراف في حزيران عام 2018. وهو القرار غير التوافقي الذي اتُخِذَ بأغلبية مصطنعة وفي غياب ممثلي 87 دولة عضو عن التصويت. أكرر 87 دولة.....!

وحيث أن ما بنيّ على باطل فهو باطل، تؤكد سورية بأن الاستنتاجات التي خلص إليها ما يسمى "فريق التحقيق وتحديد الهوية" ليست ذات مصداقية ولا أساس قانوني لها ولا واقعي. وهذا تقييمٌ ثابت بشكل قاطع، وتعلم الدول الأعضاء في المنظمة وفي مجلس الامن، بأن هذا الفريق بنى اتهاماته المزيفة ضد سورية على أساس تقريرٍ لـ "بعثة تقصي الحقائق - FFM" التي لم تقم بزيارة ميدانية لمنطقة "اللطامنة"، وأنها قامت بإجراء التحقيقات عن بُعد انطلاقاً من الأراضي التركية، وفي غياب المعايير المعتمدة فنياً وقانونياً لضمان سلامة عهدة الأدلة في عملية جمع وحفظ الدلائل المادية، وكذلك عدم وجود سلسلة قانونية لحضانة العينات، إلى جانب الاستناد إلى مقاطع الفيديو وصور مفبركة قد تم نشرها على صفحات الإنترنت، أو إفادات شهود ومصادر مفتوحة قدمتها المجموعات الإرهابية وذراعها الإعلامي، أي تنظيم "الخوذ البيضاء" الإرهابي، وما وفرته الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من معلوماتٍ ملفقة، وهي الحكومات المتورطة أصلاً بدعم المجموعات الإرهابية على الأراضي السورية. وللأسف، تكرر نفس المشهد والممارسات الخاطئة في حوادث أخرى، مثل حادثة "خان شيخون"... ونذكر، في هذا الصدد، أصحاب الذاكرة القصيرة بأن الحكومة السورية بأنها هي من بادر إلى الطلب من الأمين العام الأسبق تشكيل فريق تحقيق علمي وموضوعي للتحقيق في استخدام "السلاح الكيميائي" في بلدة خان العسل بتاريخ 19 آذار 2013.

السيد الرئيس،

إن القرار الذي ترفضه بلادي سورية والذي اعتمده المجلس التنفيذي لمنظمة الحظر في 9 تموز 2020 والمبني على التقرير المفبرك غير المهني والذي لا يحتوي أي ادلة مادية والذي أعده ما يسمى "فريق التحقيق وتحديد الهوية"، سيكرس منهجية للعمل داخل منظمة الحظر تهدف للمزيد من التلاعب بنصوص الاتفاقية وفقاً لأهواء بعض الدول مما سيؤدي إلى تعزيز حالة الانقسام داخل المنظمة، ويعطي الضوء الأخضر للمجموعات الإرهابية للاستمرار بإرهابها وللقيام بمزيد من المسرحيات الكيميائية المفبركة لاتهام الجيش العربي السوري. إن ذاك القرار هو قرار مسيس ويستهدف دولةً عضو في الاتفاقية لتحقيق أغراض سياسية وأجندات معروفة وسيزيد من تسييس عمل المنظمة وسيؤدي إلى إضعاف دورها وسيلحق أضراراً جسيمة في عملها وولايتها.

إن بلادي سورية كانت ولا تزال تربأ بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وأمانتها الفنية أن تصبح أداة تستخدمها بعض حكومات الدول الغربية النافذة. ولكن واقع الحال أفرز للأسف أمثلة ونماذج سلبية في هذا المجال، ولا يغيب عن ذهننا أبداً ذلك التقرير المفبرك عن الحادثة المزعومة في دوما 2018، والذي تم تغيير كافة معطياته التي تقدم بها الخبراء الذين شاركوا في الزيارة الميدانية لفريق "بعثة تقصي الحقائق" إلى دوما. ذلك التقرير الذي صور حادثة دوما المزعومة بأعجوبة العالم الثامنة، حيث نرى أسطوانة تسقط من ارتفاع 5 كم من السماء، وتصطدم بسطح منزل ولا تنفجر ولا يتشوه جسمها، ثم تستلقي على سرير في دوما دون أن يتحطم السرير أو الزجاجيات الموجودة على بعد لا يتجاوز المتر منها...!!!!

السيد الرئيس..

تستغرب حكومة بلادي محاولات الأمانة الفنية لمنظمة الحظر تأخير إصدار تقرير "بعثة تقصي الحقائق" فيما يتعلق بحادثة حلب الواقعة في 24 تشرين الثاني 2018، رغم تقديم الجانبين السوري والروسي كل المعلومات المتوفرة لديهما إلى البعثة حول تلك الحادثة. وهي المعلومات التي تؤكد استخدام المجموعات الإرهابية المسلحة للأسلحة الكيميائية في تلك الحادثة، ومع ذلك لا يزال تردد وتلكؤ "بعثة تقصي الحقائق" في إصدار التقرير هو سيد الموقف!!!

أودّ أن أشير إلى أن سورية لا تزال بانتظار تقديم إجاباتٍ واضحة من جانب الفريق، حول المعلومات التي تقدمت بها الأمانة الفنية للمنظمة بتاريخ 22 حزيران 2020، عن حصول تسريب في العينات التي جمعها الفريق خلال جولة المشاورات الـ/22/، والتي كانت موجودةً في مخبر المنظمة الذي يفترض أنه مؤهل ويعمل وفق أعلى المعايير العلمية الدولية. تخيلوا ذلك: أضاعت المنظمة عينات حساسة قمنا بتسليمها لها.....!

السيد الرئيس..

إننا في سورية واقعيون ونؤمن بعدالة قضيتنا، وبأن هذا العالم ليس غابةً يُفرض فيها قانون القوة بدلاً من قوة القانون. ولذلك، لن نسمح، نحن وأصدقاؤنا، بأن تكون هناك صناديق حديدية جديدة في مجلس الأمن تُغلق لمدة ستين عاماً، حتى لا يكشف العالم الفضائح التي ارتكبتها الولايات المتحدة وبريطانيا، حين فبركتا ملف أسلحة الدمار الشامل في العراق، لغزو ذلك البلد الشقيق وتدميره، ثم خرجتا مع بعض المنافقين في جنازة تشييع القانون الدولي والميثاق إلى مثواهما الأخير في مقبرة الشهداء في بغداد إلى جانب جثامين ملايين العراقيين الأبرياء.

ختاماً السيّد الرئيس،

رداً على ما قالته زميلتي، ممثلة الولايات المتحدة الأميركية، أودّ أن أنقل اليكم ما يلي: "جون رابيون"، مبعوث خاص أميركي، كان مؤخراً في تركيا والتقى مع ضباط الاستخبارات التركية وإرهابيي "الخوذ البيضاء" وزوّدهم بتعليمات "هامّة جداً وشديدة السرّية" حول نية استخدام الأسلحة الكيميائية في إحدى مناطق محافظة إدلب شديدة الكثافة السكانية. سيتم الهجوم بإشراف المخابرات التركية وأداتها "هيئة تحرير الشام" حيث سيتم نقل المواد السامة عن طريق شاحنات الطعام والمعونات. علاوةً على ذلك، ولحماية إرهابييهم العملاء، تم توزيع 2000 قناع واقي من الغازات السامة و3000 حقنة مضادات سمّية للإرهابيين المتواجدين في منطقة جبل الزاوية.

ويسجل وفد بلادي اعتراضه الشديد على مشاركة ممثل النظام التركي الراعي للإرهاب في هذه الجلسة، ويذكر أعضاء المجلس بأنه ما كان للتنظيمات الإرهابية أن تتمكن من تنفيذ الكثير من جرائمها بما فيها تلك التي تمت لاستخدام الأسلحة الكيميائية لولا دعم نظام أردوغان لتلك التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذي أكده الإعلام التركي بدءاً بما نشرته صحيفة "يورت" في العام 2012 حول تصنيع الإرهابيين لغازات سامة في مخبر بمدينة غازي عينتاب التركية، ومروراً بالتقارير المتعلقة بتهريب عبوات من غاز السارين من ليبيا عبر الأراضي التركية وتسليمها للتنظيمات الإرهابية بواسطة عميل الاستخبارات التركية الإرهابي "هيثم القصّاب"، وغير ذلك من الجرائم التي لا يتسع المجال لسردها جميعها. يمكنني التحدث إليكم لمدة 24 ساعة متواصلة حول هذا الموضوع ولكنني سأكتف اليوم بما قلته.....

شكراً السيد الرئيس..