United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: النظام التركي يواصل استخدام مياه الشرب سلاح حرب ضد أهالي الحسكة وعلى الأمم المتحدة التحرك العاجل لوقف جرائمه

الخميس, 27 (آب (اغسطس 2020
المتحدث: 
السفير د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

 

 

السيد الرئيس،

       على مدى السنوات الماضية، اتسم تعامل بعض حكومات الدول الأعضاء في مجلس الأمن مع الأوضاع الإنسانية في بلادي بالانتقائية الفاضحة، وهي انتقائية تجلت ولا تزال تتجلى بتركيزهم المسيس على مناطق بعينها لحماية فلول التنظيمات الإرهابية التي تسيطر عليها ومنع الجيش العربي السوري وحلفائه من تحريرها من الإرهاب. في الوقت نفسه، تعمدت تلك الحكومات إغفال الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها السوريون في ظل الاحتلالين الأمريكي والتركي لأرجاء من الأراضي السورية وجرائم أدواتهما من ميليشيات انفصالية وتنظيمات إرهابية.

وسأركز في بياني هذا على المناطق التي اصطلح على تسميتها في مداولات هذه المجلس بالمناطق الواقعة شمالي شرق سوريا، ويحلو للإدارة الأمريكية تسميتها بمناطق شرق الفرات، والتي لم تقتصر معاناتها على ما طالها من جرّاء الممارسات الإجرامية لتنظيم داعش الإرهابي، ولا من جرّاء جرائم "التحالف الدولي" اللاشرعي الذي عاث في المنطقة خراباً ودماراً ومهد للاحتلال ولنهب مقدرات سوريا من نفط وغاز وآثار ومحاصيل زراعية وغيرها، بل تفاقمت معاناة أهلها كماً ونوعاً جرّاء جرائم الاحتلال الأمريكي والتركي.

       واليوم، ومنذ أكثر من عشرين يوماً، يواجه ما يزيد عن مليون مدني سوري في مدينة الحسكة والمناطق المجاورة لها، في شمال شرق سوريا، العطش والحرمان من الماء جرّاء إمعان النظام التركي في جرائمه واستخدامه مياه الشرب كسلاح حرب لمعاقبة أهالي المدينة، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، على رفضهم للاحتلال وتمسكهم بوطنهم.

السيد الرئيس،

لقد قامت قوات الاحتلال التركي وأدواتها من التنظيمات الإرهابية، وبمباركةٍ من الإدارة الأمريكية وأدواتها، بقطع ضخ المياه من محطة علوك والآبار المغذية لها لأكثر من /16/ مرة ولفترات متفاوتة امتدت آخرها لأكثر من عشرين يوماً، الأمر الذي تسبب في معاناة أهلنا في الحسكة المستمرة حتى الآن من العطش الشديد في ظل ظروف المناخ الحار والتهديدات الصحية المرتبطة بانتشار وباء COVID-19.

وكنتُ قد وجهتُ بالنيابة عن حكومة بلادي الكثير من الرسائل الرسمية ذات الصلة إلى مجلسكم هذا وإلى معالي الأمين العام، وللأسف لم نلمس من مجلسكم هذا أي خطوات ملموسة لوقف هذه الجرائم الموصوفة والانتهاكات الجسيمة.

وفي الوقت الذي نتوجه فيه بالشكر والامتنان لمعالي الأمين العام على استجابته السريعة وبذله لمساعيه الحميدة لإنهاء معاناة أهلنا في الحسكة وضمان إعادة ضخ مياه الشرب لهم بشكل عاجل، فإننا ندين عدم تجاوب النظام التركي وأدواته على النحو الفوري المطلوب، كما نستهجن مواقف السيد لوكوك، الذي من المفترض أن يمثل الوجه الإنساني للأمم المتحدة، والذي بدل أن يقدم إحاطة يدين فيها جرائم الاحتلال التركي، سبق له أن توجه بالشكر، امام مجلسكم هذا، للنظام التركي على تيسيره إرسال فريق فني لإصلاح محطة علوك متغافلاً عن أن النظام التركي هو الذي قصف المحطة واعتدى على العاملين فيها وأخرجهم منها عند إطلاقه ما سمي بـ"عملية نبع السلام"، وأن هذه المحطة هي منشأة مدنية توفر مياه الشرب اللازمة لما يزيد عن مليون مدني سوري، وأن قصفها أو قطع إمدادات المياه منها هي أعمال بربرية همجية وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الإنساني الدولي بما في ذلك اتفاقيات جنيف المتعلقة بوضع المدنيين زمن الحرب، وهي تقتضى التحرك العاجل من الأمم المتحدة لوضع حد لهذا الاحتلال وإنهاء معاناة أهالي الحسكة من وجوده ومن العطش والحرمان من المياه. كنت أتوقع أن أرى السيد لوكوك على رأس تظاهرة إنسانية أمام مقر البعثة الدائمة لتركيا احتجاجاً على حرمان أهالي الحسكة من مياه الشرب. 

ويحق لنا أن نسأل: إذا كان السيد لوكوك منحازاً وعاجزاً عن اتخاذ مواقف مهنية وموضوعية وذات مصداقية، فلماذا لم يتحرك ما يسمى بحملة القلم الإنساني في هذا المجلس لعقد الجلسات واعتماد بيان رئاسي على الأقل يدين استهداف أردوغان لمحطة علوك المائية المدنية واستخدامه للمياه كسلاحٍ لمعاقبة المدنيين؟  

من الواضح أن ولاء من سموا أنفسهم بـ"حملة القلم" ومن يقف وراءهم لحلف الناتو وسياساته العدوانية إزاء بلادي تسمو على إي احترام مزعوم للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، وقد تجلى ذلك على نحو مستمر، فنحن لم نسمع لهم صوتاً عندما ألحقت اعتداءات الاحتلال الأمريكي أضراراً بالغة بسدّي الفرات والبعث ومحطات الطاقة والمياه والجسر التاريخي المعلق في دير الزور وغيرها من المنشآت المدنية، كما لم نسمع لهم صوتاً عندما قام الطيران الحربي لـ ”التحالف" اللاشرعي، بتاريخ 27 آذار / مارس 2017، باستهداف سيارة تقل فريقاً من الفنيين المشرفين على سد الفرات، ومتطوعين من الهلال الأحمر السوري، كانوا يحاولون الوصول للسد للعمل على إصلاح الأضرار التي لحقت به جرّاء القصف الأمريكي والحيلولة دون انهياره. وقد أدى هذا الاعتداء الآثم آنذاك إلى استشهاد المواطن السوري فراس الحسين، المتطوع الإنساني في الهلال الأحمر السوري، وجرح باقي أعضاء الفريق. ولم ينطق أي من زملائي الغربيين في هذا المجلس حينها، ولا في غيرها من المرات التي لا يتسع الوقت لذكرها الآن، بحرفٍ واحدٍ عن استهداف الطيران الأمريكي للطواقم الإنسانية.

وقد أقر التحالف الدولي قبل يومين بمسؤوليته عن قتل /1377/ مدني خلال أعماله القتالية، واعتبر أن ذلك قد تم كـ"أضرار جانبية". وبطبيعة الحال فإن الأعداد تتجاوز هذا الرقم بأضعاف، ولكن الأمر سيمر مرور الكرام مادامت ألمانيا وبلجيكا هما المؤتمنان على حمل القلم الإنساني في هذا المجلس، وبالتالي أصبح القانون الدولي كالحمل الوديع الذي أنيطت رعايته بقطيع من الذئاب.

واليوم يكمل أردوغان هذه الجرائم ويتممها في تواطؤ مشترك لتنفيذ المشروع الغربي القائم على استهداف وتدمير البنى المدنية والخدمية ومؤسسات الدولة السورية. وإن كنا نجافي الواقع في كلامنا هذا فإننا نتحداكم إثبات العكس واتخاذ خطوات لمساءلة الدول التي تحتل أجزاء من بلادي على جرائمها بحق سوريا والمنطقة بشكل عام.

السيد الرئيس،

لقد تحمّلت الدولة السورية والمنظمات الإنسانية السورية مسؤولياتها بشكل مشرف في مواجهة جريمة قطع النظام التركي للمياه عن أهالي الحسكة؛ حيث تم تأمين مياه الشرب لأهلنا هناك قدر الإمكان، إلا أنّ الحاجات تتجاوز كل التوقعات والإمكانيات وذلك بسبب الاحتلالين التركي والأمريكي للمناطق الشمالية والشرقية من سورية.

تحذر الجمهورية العربية السورية من استمرار أو تكرار هذه الكارثة وتطالب أوتشا ودول الاتحاد الأوروبي وقياداته بأن يصحوا من سباتهم غير المسؤول وأن يبرهنوا على احترامهم للأسس الأخلاقية والقانونية التي قامت عليها هذه المنظمة الدولية.

السيد الرئيس،

استكمالاً لسياسات الحكومات المعادية لبلادي، قامت التنظيمات الإرهابية بتاريخ 24/8/2020 بتفجير خط الغاز المغذي لمحطات الطاقة الكهربائية السورية، وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث انقطاع عام للكهرباء في مختلف أنحاء سوريا.

إن هذا الهجوم الإرهابي، الذي نفذته مجموعات إرهابية ترعاها قوات الاحتلال الأمريكي في منطقة التنف المحتلة، ليس إلا حلقة في سلسلة الإرهاب الاقتصادي الذي بات يمثل العنوان الطاغي للمرحلة، والذي تمارسه بعض حكومات الدول الأعضاء في هذه المنظمة إزاء بلادي من خلال فرضها للتدابير القسرية الانفرادية، ومنها ما يسمى بـ "قانون قيصر"، والجرائم التي ترتكبها تلك الحكومات بشكل مباشر أو عبر أدواتها من الميليشيات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية لنهب النفط والغاز والآثار والقمح والمحاصيل الزراعية وتدمير المنشآت المدنية والبنى التحتية، وهي جرائم تهدف جميعها لخنق المواطن السوري وحرمانه من احتياجاته الأساسية من غذاء ودواء وغاز وكهرباء، وعرقلة عملية إعادة الإعمار، ومنع عودة المهجرين، وممارسة المزيد من الضغط على الحكومة السورية لتقديم تنازلات سياسية، لاسيما وأن هذا التفجير الإرهابي تزامن مع بدء انعقاد الجولة الثالثة للجنة مناقشة الدستور في جنيف.

وألفت عناية مجلسكم هذا إلى الدراسة التي نشرها "مركز الأمن الأمريكي الجديد CANS" الممول من الحكومة الأمريكية قبل أيام، وهي للباحث في المركز ومن قبله في البنتاغون نيكولاس هيراس، والتي تدعو واشنطن لاستخدام سلاح القمح لتجويع المدنيين في سوريا بهدف تقليص إمدادات الغذاء والضغط على الحكومة السورية وروسيا لتقديم تنازلات سياسية تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة. وهذا النوع من التفكير باستخدام القمح كسلاح لمعاقبة المدنيين يتناغم تماماً واستخدام أردوغان للمياه كسلاح لمعاقبة المدنيين.

لقد ذبحت بعض حكومات الدول الأعضاء في هذا المجلس القانون الإنساني الدولي في سياساتها إزاء بلادي كما ذبحت قبله والده البيولوجي القانون الدولي، ولم يبقى أمام مجلسكم هذا إلا أحكام الميثاق التي مازال عدد من الدول الأعضاء يتشبث بها ويدافع عنها، فهل تريدون لأحكام ميثاقنا السقوط في الامتحان أيضاً؟  

ختاماً، السيد الرئيس، ورداً على ما قاله ممثل الولايات المتحدة بخصوص الوضع في مخيم الهول، فإننا نؤكد على مسؤولية الإدارة الأمريكية وميليشياتها الإرهابية وحكومات بعض دول الاتحاد الأوروبي في التسبب بالوضع القائم في المخيم وذلك في ضوء الاحتلال الأمريكي لتلك المنطقة ورفض الدول الأوروبية لاستعادة الآلاف من رعاياها من أشباه القمامة البشرية الذين أرسلوا إلى بلادي بشكل غير قانوني كـ"إرهابيين بلا حدود" ونساءهم وأطفالهم، وهو الأمر الذي طالبنا به مراراً، وكذلك سعي ميليشيات قسد الانفصالية العميلة للاحتلال الأمريكي لاستغلال مسألة قاطني مخيم الهول واستخدامهم كمادة للابتزاز الإعلامي والسياسي للحصول على نوع من الاعتراف وإبرام صفقات مشبوهة ورخيصة.

شكراً السيد الرئيس.