United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الجعفري: الغرب لن يتمكن من التغطية على آثار إرهابه الاقتصادي بحق سورية

الأربعاء, 16 (أيلول (سبتمبر 2020
المتحدث: 
السفير د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

 

 

السيد الرئيس،

        اليوم، وبعد /75/ عاماً على الانتصار في الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، فإن مدرسة وزير الدعاية الألماني النازي "بول جوزيف غوبلز" – القائمة على فكرة تقول: "إذا قلت كذبةً كبيرة وواصلت تكرارها فإن الناس سيصدقونها لاحقاً" – لا تزال، للأسف، نهجاً للعديد من ممثلي الدول الغربية. ويتجلى ذلك بأبرز صوره وأشدها قتامةً في الادعاءات التي يروج لها ممثلو العديد من الدول الغربية في المجلس لناحية أن التدابير القسرية الأحادية الجانب التي يفرضونها بشكل غير قانوني وغير شرعي على بلادي سوريا "لا تستهدف الشعب السوري" وأنهم "يبذلون جهوداً كبيرة لضمان توفير الاستثناءات الإنسانية والطبية من هذه التدابير وتقديم المساعدة للسوريين"، وأن "النظام، كما يحلو لهم تسمية حكومة الجمهورية العربية السورية، هو الذي يحرم السوريين المصابين بوباء كوفيد-19 من العلاج". هكذا سمعت قبل قليل من السفيرة الأمريكية والسفير الألماني. إن أدب الكذب هو اختصاص تتفرّد به الثقافة الغربية. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر شخصية البارون الكذّاب مونشن هاوزن الشهيرة في الأدب الألماني. وعلى الرغم من أن كلمة أدب لا تليق بالكذب إلا أننا يجب أن نلاحظ بأن ممثلي الدول الغربية في المجلس قد أفلحوا في مأسسة الكذب وجعله نهجاً لتضليلهم ولسياساتهم التخريبية.

        أقولها صراحةً، السيد الرئيس، إن الدبلوماسية التي نمارسها وإيماننا بالانفتاح والحوار يجعل من كلماتنا عاجزة عن وصف مثل هذه الأكاذيب التي لا تنطلي على أحد، فكل سوري يلمس في كل ثانية ودقيقة وساعة ويوم وأسبوع وشهر الآثار الكارثية لتدابيركم القسرية اللاإنسانية التي تستهدفه في أبسط تفاصيل حياته اليومية وتحد من قدرة مؤسسات الدولة السورية وشركائها الإنسانيين على توفير الخدمات الأساسية والدعم لمواطنيها والارتقاء بالوضع الإنساني والمعيشي.

السيد الرئيس،

        إن استهداف الشعب السوري بالإرهاب الاقتصادي ليس جديداً، فهو نتيجة لاستمرار الإدارات الامريكية في نظرتها الضيقة القائمة على رعاية وخدمة المصالح الإسرائيلية حصراً على حساب استقرار وأمن منطقتنا بأسرها ودماء شعوبها. فمنذ العام 1978، دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على فرض تدابير قسرية على الاقتصاد السوري وقطاعاته الحيوية كقطاعات الطيران المدني والنفط والطاقة والاتصالات والتكنولوجيا والمصارف والاستيراد والتصدير بما في ذلك استيراد وتصنيع الغذاء والدواء والتجهيزات الطبية الأساسية، وذلك لثنينا عن مواقفنا الرافضة لسياسات الهيمنة والاحتلال. وبسلوكها هذا، ضربت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عرض الحائط بوثائق وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تؤكد على عدم شرعية هذه التدابير القسرية الانفرادية وانتهاكاتها للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وصكوك حقوق الإنسان. وهي كلها، للأسف، تم انتهاكها ودفنها في بغداد وطرابلس الغرب في ليبيا وفي سوريا.

        وقد تعززت التدابير القسرية الأحادية الجانب المفروضة على بلادي خلال السنوات الماضية، وبشكلٍ خاص خلال فترة الإدارة الأمريكية الحالية، وصولاً لما يسمى بـ"قانون قيصر"، وذلك بهدف إسقاط الدولة السورية والنيل من خياراتها الوطنية وتحقيق ما عجزت حكومات الدول المعادية عن تحقيقه سياسياً وعسكرياً وعبر الاستثمار في الإرهاب وأعمال العدوان الأحادية تارةً والثلاثية تارةً أخرى. وهو الأمر الذي أكدته التصريحات العلنية المتكررة لـ"جيمس جيفري" ذاته. وبالأمس سمعنا إقراراً من الرئيس ترامب نفسه بأن إدارته كانت تخطط لاغتيال رئيس الجمهورية العربية السورية، وهو الأمر الذي يؤكد المستوى الذي انحدر إليه التفكير والسلوك السياسي الأرعن لهذه الإدارة.    

        واليوم، يعاني جميع السوريين من جملة واسعة من التدابير القسرية التي تحيط بهم من كل اتجاه، وذلك في ظل تجاهلٍ من الأمم المتحدة وأوتشا لمطالباتنا المتكررة التي تم التأكيد عليها في رسالة الشكوى الرسمية التي وجهتُها بالنيابة عن حكومة بلادي إلى معالي الأمين العام ورئيس مجلس الأمن بتاريخ 31/5/2020، والتي طالبنا فيها الأمانة العامة بتحويل كلماتها إلى أفعال وتقديم تقرير حول الآثار الكارثية لهذه التدابير القسرية على حياة السوريين. وهو طلب لم نتلقَ أي رد عليه رغم توجيهنا لعدة رسائل لاحقة للتأكيد عليه وانقضاء حوالي أربعة أشهر منذ تقديمه، وعلى الرغم أيضاً من مطالبة العديد من الدول الأعضاء في هذا المجلس، والتي نتوجه لها بالشكر والتقدير، بالأمر ذاته ومحاولتها تضمين الإشارة إليه خلال المفاوضات السابقة لاعتماد القرار رقم 2533.  

السيد الرئيس،

        لقد قدمت لكم أوتشا /68/ تقريراً مكتوباً ومئات الاحاطات حول الوضع الإنساني في بلادي، وهي تقارير لم يجرؤ فيها السيد لوكوك ولا سابقيه ستيفن أوبراين وفاليري آموس، وهم كلهم بريطانيون بالصدفة، على الحديث فيها، بشكل واضح وصريح، عن ضرورة وضع حد للتدابير القسرية المفروضة على بلادي. وحتى عندما طالب الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى سوريا، السيد بيدرسون، برفع التدابير القسرية بما يخدم الجهود الرامية للتصدي لوباء كورونا فقد تردد صدى تلك الدعوة بشكل خجول وضعيف من قبل ممثلي أوتشا، في حين حاولت الدول الغربية التغطية على تلك الدعوات وحرف الأنظار عنها، وهو ما أبرزته المفاوضات المتعلقة بالعديد من مشاريع القرارات والبيانات ذات الصلة التي لم يتم اعتمادها جرّاء الموقف الغربي في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن. بالأمس في حفل اختتام الدورة /74/ للجمعية العامة وافتتاح الدورة /75/، تحدث كل من الأمين العام ورئيس الجمعية العامة فقالا كلاهما أن أكثر من سبعين قراراً تم اعتمادها في الجمعية العامة حول جائحة كورونا. /70/ قرار منذ بداية الجائحة وحتى الآن. في هذه القرارات كلها كنا نفاوض الدول الغربية ومن يدور في فلكها لإدخال إشارة إلى عدم شرعية فرض تدابير قسرية أحادية وتنفيذ توصية الأمين العام، والغربيون يصرون على تجاهل ما قاله الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى سوريا وممثلي مجلس حقوق الإنسان.

        إن سعي بعض الحكومات الغربية للتغطية على آثار إرهابهم الاقتصادي لن يكتب له النجاح، فالواقع القائم ليس بحاجة لأقمار صناعية وتلسكوبات عملاقة أو مجهر أو حتى لجان تقصي حقائق لمعاينته أو التحقق منه، فكم من طفل سوري حُرِمَ من التدفئة في منزله أو مدرسته جرّاء العقوبات الأحادية المترافقة بنهب الاحتلال الأمريكي والميليشيات الانفصالية العميلة للنفط والغاز وأعمال القرصنة وعمليات اعتراض السفن التي تقوم بها بعض الحكومات دون أذن من مجلس الأمن والتي تحول دون استيرادنا للوقود؟ أليس هذا إرهاباً اقتصادياً لا إنسانياً يا سعادة مساعد الأمين العام لوكوك؟

        وكم من مريض أو طفل حديث الولادة تضرر أو توفي جرّاء انقطاع الكهرباء عن حاضنات أو غرف عمليات بعض المشافي والمراكز الصحية، أو نتيجة للحظر على استيراد المعدات واللوازم الطبية الأساسية كخيوط الجراحة ومضادات تخثر الدم والأكياس البلاستيكية الفارغة اللازمة لحفظ الدم هذا علاوة عن أجهزة الفحص الطبي والرنين المغناطيسي والتصوير الشعاعي وغيرها؟ هذه الأمور تستدعي أن يمثل مجرمو الحرب الذين يفرضون تدابير قسرية على الشعب السوري أمام محكمة دولية لجرائم الحرب، محكمة من خارج الأمم المتحدة لأن هذه المنظمة للأسف لم تعد تمثل الشرعية الدولية.  

        إن تكرار البعض لحديثه حول حرصه الإنساني المزعوم وحول منح الاستثناءات الإنسانية والطبية من التدابير القسرية لن يخفي حقيقة جرائمهم التي ترمي لخنق المواطن السوري، وممارسة المزيد من الضغط على الحكومة السورية، وعرقلة عملية إعادة الإعمار، وعودة المهجرين.

        وبطبيعة الحال، فإن الكثير من ممثلي الإدارة الأمريكية سيشعرون بالسعادة لشكوانا من الآثار اللاإنسانية لعقوباتهم وسيعتبرون ذلك نجاحاً لهم، لأنهم معتادون على مثل هذه الجرائم فهم كانوا قد أزهقوا بتدابيرهم القسرية أرواح حوالي مليون طفل عراقي في تسعينيات القرن الماضي ومرت جريمتهم تلك دون عقاب ومن دون إنشاء أي لجان تحقيق أو آليات للمساءلة رغم اعتراف مسؤولي الإدارة الأمريكية آنذاك بهذه الجريمة علناً في مذكراتهم.

السيد الرئيس،

        تؤكد الجمهورية العربية السورية على ضرورة إنهاء الاحتلال التركي للأراضي التي يحتلها في شمال وشمال غرب بلادي، وضرورة وضع حد لجرائم نظام أردوغان الراعي للإرهاب التي كان لها الأثر الأكبر في تدهور الوضع الإنساني للسوريين إذ شملت أعمال القتل والنهب والتدمير والتهجير والتغيير الديمغرافي والاتجار بمعاناة المهجرين وسرقة النفط والآثار والمصانع والمحاصيل الزراعية والإتجار بالأعضاء واستخدام مياه الشرب كسلاح ضد المدنيين وغيرها، علاوةً عن توفير شريان الحياة للتنظيمات الإرهابية ومورداً لترسانتها من السلاح والعتاد والإهابيين العابرين للحدود، أو "الإرهابيين بلا حدود" كما أسميهم.

        كما تؤكد بلادي مجدداً على ضرورة إنهاء الاحتلال الأمريكي لمناطق شمال شرق سوريا ومنطقة التنف، ومسؤولية الاحتلال الأمريكي وحلفائه والميليشيات الانفصالية والمجوعات الإرهابية العميلة له عن إطالة أمد المعاناة في مخيم الهول ومخيم الركبان، ذلك أن الاحتلال الأمريكي عرقل ولا يزال يعرقل عودة بقية قاطني مخيم الركبان وتفكيك هذا المخيم، كما امتنعت بعض الحكومات الأوربية عن استعادة رعاياها من الإرهابيين العابرين للحدود وعائلاتهم من مخيم الهول أيضاً.

        ختاماً، السيد الرئيس، ألفت عنايتكم إلى التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية مؤخراً نقلاً عن مراكز أبحاث وأكاديميين في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تسببت منذ العام 2001 وتحت عنوان ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب" بتشريد وتهجير 37 مليون شخص من دول كالعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، فمن الذي يصنع الأزمات في هذه الحالة؟ وكيف يمكن لهذا المجلس الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في حين ينصب أعضاؤه الغربيون الدائمي العضوية وغيرهم من العضوية غير الدائمة من أنفسهم خصماً وحكماً في الوقت ذاته؟ كيف يلعب نفس الشخص دور رجل الإطفاء والمولع بإشعال الحرائق في نفس الوقت؟  

شكراً السيد الرئيس.