ملاحظة استهلالية أولى قبل أن أقرأ بياني إذا سمحتم.. لاحظنا أن المدعوين اليوم لإحاطة هذا المجلس الكريم، بتقييمهم لما يجري في مدينة حلب السورية، قد تمت استضافتهم من كل من لندن وجنيف وعمَّان، وغاب عن الشاشة حضور أي مندوب أو ممثل للأمم المتحدة من بلادي سوريا، وهو الأمر الذي كان قد أثبت نجاعته في الجلسة السابقة، من خلال مشاركة السيدة إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في دمشق، التي أفادتنا بالكثير من المعلومات كما تتذكرون. إذاً، هذه ثغرة خطيرة جداً من حيث استبعاد ممثلي الأمم المتحدة في دمشق من تقديم إحاطاتهم لهذا المجلس. وهو مشهد عجيب يذكرنا بمشهد عجيب آخر من حيث قيام ثلاثة دول أعضاء في هذا المجلس بالعمل على إعداد مشروع قرار إنساني، بدون التنسيق والتشاور مع وفدنا، وفد حكومة الجمهورية العربية السورية. وهنا كأننا نقرأ في هذه القاعة المشهد السوريالي الآخر الذي ورد في رواية جورج أورويل بعنوان "1984"، وهي رواية لا بد أنكم سمعتم بها.
مرة أخرى، يتداعى ممثلو ومشغلو تنظيم "جبهة النصرة" والجماعات الإرهابية التابعة له، لطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، في محاولة منهم لنجدة هؤلاء الارهابيين وتقديم دعم معنوي وسياسي لهم، في ظل الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مكافحة الارهاب في سوريا، الإرهاب بشقيه "المعتدل والمعدل وراثياً".
وقبل أن أدخل في بياني، أود أن أؤكد لممثلي "أبو محمد الجولاني" في مجلس الأمن، وهو الأخ غير الشقيق "لأبي بكر البغدادي" زعيم ما يسمى بـ"داعش"، أن استمرارهم في المتاجرة بالدم السوري وبمعاناة الشعب السوري من خلال اختزال ما يجري في سوريا بأنه مسألة إنسانية بحتة، لن يُثني حكومة الجمهورية العربية السورية بدعم من حلفائها عن ممارسة واجبها الدستوري والقانوني في مكافحة الإرهاب، وفي إنقاذ السوريين من ويلات وممارسات هذه المجموعات، وذلك انسجاماً مع مبادئ القانون الدولي، وتطبيقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، شأنها في ذلك شأن أي دولة عضو ذات سيادة في هذه المنظمة الدولية.
وأود أن أنقل هنا إلى هؤلاء المتاجرين بالدم السوري جزءاً من نص الرسالة التي كتبها أطفال سوريا وسلَّموها يوم أمس للممثلة المقيمة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في دمشق، ويبدو أن ممثل اليونيسف الذي كان معنا الآن وما زال لم يسمع بهذه الرسالة.. رسالة، احتجاجاً على اعتداءات التنظيمات الإرهابية واستهدافها بالقذائف الصاروخية للمدارس في حلب، وأقتبس: "نريد الذهاب إلى مدارسنا دون خوف من سيارة مفخخة.. نريد أن نلعب دون أن تفاجئنا القذائف والعبوات الناسفة.. نريد أن نعيش بأمان وسلام وفرح.. إن دماء رفاقنا الأطفال الذين ارتقوا شهداء في كل المدن السورية لن تذهب هدراً، بل هي منارة النصر القريب على قوى الإرهاب والظلام". انتهى الاقتباس.. هذه رسالة من أطفال سوريا إلى اليونيسف أنقلها لعناية السيد "كبلاير" بما أنه معنا اليوم..
إن ممثلي "جبهة النصرة" داخل مجلس الأمن وخارجه لن يسمعوا كلام هؤلاء الأطفال، ولن يسمعوا القصص ولا الشهادات المروعة التي رواها عشرات الآلاف من أهلنا، ممن أنقذهم الجيش السوري وحلفاؤه في مدينة حلب خلال الأيام الماضية، عن ممارسات "جبهة النصرة" والجماعات الإرهابية التابعة لها خلال السنوات الأربع الماضية، وهي معاناة ومآسي مروعة تبدأ ببيعهم المساعدات الإنسانية ورغيف الخبز بأسعار لا قبل لهم بها، ولا تنتهي بتجنيد أطفالهم وسبي نسائهم واتخاذهم دروعاً بشرية، وهي كلها قصصٌ حقيقية يطّلع عليها الرأي العام العالمي على مدار الساعة، ولا علاقة لها بقصص "ألف ليلة وليلة" التي يحلو للبعض روايتها داخل أروقة هذا المجلس... بالمناسبة أقول لزميلتي مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية أن "داعش" و"جبهة النصرة" وكل هؤلاء الإرهابيين الذين يسبون النساء، قد وضعوا قائمة بأسعار النساء عندما يبيعوهن في سوق النخاسة، حسب العمر، فيبدو أن الشريحة التي تنطبق على بعض الزميلات الحاضرات في هذه القاعة للأسف يجعلهن عرضة للبيع بأربعين دولار فقط... قيمة المرأة عندما تُسبى أربعين دولار فقط.
إن تحرير ما يزيد عن 80 ألف من سكان حلب، بما فيهم عشرات الآلاف من الأطفال، لم يكن في يوم من الأيام جزءاً من خطط وزارات الخارجية الفرنسية والأمريكية والبريطانية التي زعمت خلال السنوات الماضية أنها تدافع عن هؤلاء المدنيين. إن دعوة حكومات هذه الدول لفرض عقوبات على روسيا وسوريا، بعد تحرير أهلنا المدنيين، إنما تبرهن من جديد أن هؤلاء السوريين قد استُخدموا من قبل رعاة الإرهاب، لحماية الإرهابيين من كافة الألوان، ولممارسة الابتزاز السياسي الرخيص. اليوم العشرات من المدنيين الذين حاولوا الخروج من شرق حلب إلى غرب حلب، يعني الهروب من مناطق الإرهابيين إلى مناطق انتشار الجيش السوري قتلوا من قبل الإرهابيين المعارضين المعتدلين المعدلين وراثياً والذين يحبهم وفود الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.
السيد الرئيس،
هناك فيل في الغرفة، ولا أحد يريد أن يراه، حيث قال السيد دي ميستورا والسيد أوبراين أن "المجموعات المسلحة من غير الدول" ولم يقولا الإرهابيين، وإنما استخدما تعبير "المجموعات المسلحة من غير الدول"، قد منعت المدنيين في شرق حلب من الخروج. ها هما أمامنا واسألوهما إذا كان فهمي خطأ... قالا أن "الجماعات المسلحة من غير الدول" قد منعت المدنيين في شرق حلب من الخروج... هذا يعني أن هذه الجماعات الإرهابية تأخذ المدنيين دروعاً بشرية...!
إن المسرح العبثي الذي مارسه البعض داخل هذا المجلس اليوم من خلال البيانات المضلِّلة، التي تتسق مع مواقف حكوماتهم الابتزازية وممارساتها الهدامة، لن يحجب نور الشمس ولا حقيقة أن أهلنا في بعض أحياء حلب، قد استعادوا الأمل في الحياة بعد أن حرَّرهم الجيش السوري وحلفاؤه، وقدَّم لهم كافة وسائل العيش الكريم من مأوى وغذاء ودواء، مما وفر لهم الشعور بالأمان والاستقرار بعد معاناة تجاوزت الأربع سنوات.
لقد فشل هذا المسرح العبثي وأبطاله من ممثلي "جبهة النصرة" داخل المجلس، في تشويه الإنجاز العسكري المتمثل في تحرير المدنيين في حلب من الإرهاب، كما فشل في تشويه صورة الأداء الإنساني والإغاثي الذي قدمته الحكومة السورية بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء لهؤلاء المدنيين بعد تخليصهم من براثن الإرهاب، مشيراً في هذا الصدد الى أن الحكومة السورية قد طلبت اليوم من مكتب الممثل المقيم للأمم المتحدة في دمشق، وهذا الكلام برسم السيد أوبراين والسيد دي ميستورا، قد طلبت اليوم من مكتب الممثل المقيم للأمم المتحدة في دمشق المساهمة في الجهد الاغاثي الذي تبذله الحكومة السورية للتخفيف من معاناة عشرات الألاف في مدينة حلب، وأن يقوم الممثل المقيم باستعمال مخزون مستودعات الأمم المتحدة في مدينة حلب، وأية مساعدات أخرى تساهم في سد الاحتياجات الأساسية للمواطنين. واضيفكم من الشعر بيتاً، بالقول أن الممثل المقيم سيذهب إلى حلب، حيث وافقت السلطات السورية الحكومية للممثل المقيم على الذهاب إلى حلب غداً الخميس، وسنرى ماذا تستطيع الـ"أوتشا" أن تفعل.
أشيد في هذا المجال، بجهود وإنجازات روسيا الاتحادية الصديقة، التي لم يقتصر دعمها لسورية على الحرب ضد الإرهاب، بل امتد بشكل كبير ليشمل مختلف أوجه العمل الإنساني والإغاثي، وكان آخرها تكليف الرئيس فلاديمير بوتين وزارتي الدفاع والطوارئ بإرسال مستشفيات متنقلة لتقديم المساعدة الطبية لسكان حلب والمناطق القريبة منها.. أؤكد مستشفيات ميدانية حقيقية وليست استديوهات لفبركة بطولات وهمية لإرهابيي ما يسمى بـ "الخوذ البيضاء" التي أسسها ضابط الاستخبارات البريطانية "جيمس لو ميزورييه"، ويبدو من اسمه أن له أصول فرنسية كهوية من دعيا لعقد هذه الجلسة....
لقد آن الأوان لهذا المسرح العبثي أن يتوقف عن ممارساته التي أدت الى انتشار خطر الإرهاب بشكل غير مسبوق، مما نتج عنه حالة من الذعر لدى الرأي العام العالمي بعد وصول هذا الإرهاب الى كل أنحاء العالم، وقد بات حرياً على هذه الدول أن تدرك أنه لا يمكن استخدام الإرهاب كأداة لتحويل حلب الى قندهار أخرى... هذا الأمر لن يروه ولا حتى في منامهم أو كوابيسهم.
إنه من المؤسف أن هذه الممارسة السياسية الخفيفة لا تقتصر على حكومات دول أعضاء في الأمم المتحدة، بل تمتد لتشمل بعض كبار موظفي الأمانة العامة للأمم المتحدة، الذين وصفوا مصير عشرات الآلاف من المدنيين الذين أنقذهم الجيش السوري وحلفاؤه من براثن الإرهاب، بأنه مصير مجهول وغير آمن، وكأنهم يتداعون إلى مد يد الغيث والعون للإرهابيين، ويرسلون لهم الرسالة تلو الأخرى أن "استمروا في إرهابكم المعتدل، ونتكفل نحن بتبييض صفحتكم في مجلس الأمن".
السيد الرئيس،
لقد بات أمراً واقعاً وخطيراً أن البعض في مجلس الأمن قد تخلى عن مسؤولياته في محاربة الإرهاب وصيانة الأمن والسلم الدوليين، وجعله مسرحاً للابتزاز والتجاذب السياسي في معرض معالجته للحرب الإرهابية المفروضة على سوريا، حتى وصل الأمر بهذه الدول إلى عرقلة إدراج تنظيمات إرهابية على قوائم مجلس الأمن الخاصة بالتنظيمات الإرهابية، وكان آخرها كما تعرفون رفض كلٍ من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إدراج تنظيمي "جيش محمد" و "أحرار الشام" الإرهابيين على تلك القوائم. كما امتد تخلي هذه الدول عن مسؤولياتها في تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرار 2253، الى غض الطرف عن ممارسات بعض الدول في دعمها للمجموعات الإرهابية، المتمثلة بتقديم الدعم المالي والإعلامي غير المحدود للإرهابيين، والفتاوى التكفيرية والجهادية الوهابية، والتسهيلات اللوجستية وفتح الحدود أمام السلاح والمقاتلين الإرهابيين الأجانب، وهي كلها أمور يقدمها كل من نظام آل سعود الاب الروحي للإرهاب العالمي، ونظام أردوغان الراعي الحقيقي لتنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي العالمي والذي ما زال يتوهم حتى اليوم، أي أردوغان، بأنه سلطان زمانه، وكذلك نظام آل ثاني القطري الممول والراعي الرئيسي لجبهة النصرة، والذي أكد وزير خارجيته يوم أول أمس في تصريحات لوكالة "رويترز"، استمرار مشيخته في تقديم الدعم والسلاح للإرهابيين في سوريا، حتى لو توقفت الإدارة الأمريكية المقبلة عن تقديم هذا الدعم، وننتهي طبعاً بنظام "حسب الله الرابع عشر"....! ومن يعرف من أقصد بذلك سيحصل على جائزة...
السيد الرئيس،
يندرج في ذات السياق الدور التخريبي الذي تمارسه إسرائيل من خلال الدعم الذي تقدمه للتنظيمات الإرهابية في منطقة الفصل وفي محيط مدينة درعا، ولا سيما لتنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي، وأشير في هذا الصدد إلى العدوان الإسرائيلي في الساعات المتأخرة من ليلة أمس، وهو أمر لم يتطرق إليه أي أحد ممن قدموا لكم الإحاطات هذا اليوم.. عدوان إسرائيلي ليلة أمس على منطقة الصبورة بريف دمشق الغربي، حين أطلقت طائرات حربية إسرائيلية صاروخين من المجال الجوي اللبناني. وهو عدوان يشكل محاولة يائسة من كيان الاحتلال الإسرائيلي من أجل رفع معنويات التنظيمات الإرهابية التكفيرية المنهارة، بعد تكبيدها خسائر فادحة في العديد من المناطق ولا سيما في الريف الغربي لدمشق.
أجدد دعوتي إلى "رقيقي القلب" في هذا المجلس ممن ما زالوا يتعاطفون مع الإرهابيين المعتدلين المعدلين وراثياً، بأن يعملوا على استعادة نفاياتهم المتوحشة هذه، والتي عملوا على تصديرها لنا خلال السنوات الخمس الماضية، وأن يعتنوا بهم، إن شاؤوا، من خلال إنشاء مناطق إدارة ذاتية لهم في مدنهم هم، في أوروبا وفي أمريكا وفي أماكن أخرى... خذوهم، إذا كنتم تريدون "جبهة النصرة" خذوا أفرادها لعندكم وأعطوهم سمات دخول وإقامات وسيكونوا إرهابيين جيدين في بلادكم.
إن حكومة بلادي ما زالت ملتزمة بسياستها القائمة على الموازاة بين أولوية محاربة الإرهاب، باعتباره يشكل التهديد الأساسي للأمن والاستقرار في مختلف أنحاء سوريا، وبين السعي إلى حل سياسي أساسه الحوار السوري – السوري وبقيادة سورية ودون تدخل خارجي ودون شروط مسبقة. وفي هذا الصدد، فإن الحكومة السورية لا تزال تنتظر دعوة مبعوث الأمين العام الخاص إلى سورية السيد دي ميستورا لاستئناف الحوار السوري الذي أوقفه هو منذ شهر أيار 2016.