United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

الأمم المتحدة في السبعين: حقوق الإنسان في مركز الأجندة الدولية

الأربعاء, 13 (تموز (يوليو 2016
المتحدث: 
د.بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الوصاية

السيد الرئيس،

بتاريخ ١٠ كانون الأول ١٩٤٨، انضمت سوريا للدول الاعضاء التي صوتت لصالح الاعلان العالمي لحقوق الانسان نظراً لأهمية تلك الوثيقة في صون الكرامة الإنسانية، والتي لو تم احترامها والعمل بموجبها لكانت البشرية في وضع أفضل مما هي عليه الأن. إلا أنه وللأسف دأبت بعض الدول على استخدام مسألة حقوق الانسان بشكل استنسابي وتمييزي، وجيرتها في الكثير من الأحيان، لتكون أداةً للتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى ولاستهداف دول بعينها دون غيرها، وأكبر مثال على ذلك ما حصل ويحصل في منطقتنا في الشرق الأوسط.

السيد الرئيس،

إن المتابع لتعامل بعض الدول الغربية مع موضوع حقوق الانسان يلاحظ الازدواجية، لا بل تعدد المعايير، التي تتعامل بها تلك الدول مع هذا الأمر الهام، إذ أن تلك الدول تتصرف من مبدأ السماح لنفسها بانتهاك حقوق الانسان في دول أخرى بحجة حماية ذات الحقوق. ينتهكون حقوق الأنسان في دول أخرى بحجة حماية حقوق الأنسان  ويقتلون المدنيين بحجة حماية المدنيين، وما حصل في كل من العراق وليبيا هو أكبر مثالٍ على ذلك، إذ تتوالى التقارير الدولية الواحد بعد الأخر لتؤكد على استغلال هذا الموضوع أبشع استغلال لتركيع دول وتدمير البنى التحتية والاقتصادية الوطنية فيها، وقتل وتهجير وتشريد شعوبها، وما تقرير جون تشيلكوت الأخير حول الدور البريطاني، وخاصة دور رئيس الوزراء السابق توني بلير، في استهداف العراق وإيصاله لما هو فيه حالياً، إلا نقطة في بحر الدماء التي أريقت من أجل استجلاب الديمقراطية وحماية حقوق الانسان في ذاك البلد الجار الشقيق لسوريا. وها نحن اليوم نرى تداعيات ذلك القرار الكارثي قرار غزو العراق، ومثله الكثير من القرارات التدميرية بحق دولٍ في المنطقة العربية وجوارها، على المنطقة والعالم من انتشار للإرهاب والتفرقة والعنف الذي يندى له جبين الانسانية لأجيال قادمة. الخطير في الأمر، السيد الرئيس، أن هكذا ممارسة وهكذا قرار كان من الممكن أن يتم تكرارهما في سوريا تحت ذات الحجج والذرائع والمسميات، وهو الأمر الذي لم يحصل بسبب رفض الشعب السوري له.

السيد الرئيس،

انشغل الرأي العام الدولي منذ فترة بموضوع اللاجئين، وخاصةً السوريين منهم، وتم استغلال هذا الموضوع أسوأ استغلال إما للنيل من سمعة الحكومة السورية، أو لعقد صفقات على حساب هؤلاء الهاربين من جحيم الارهاب كما حصل بين تركيا والاتحاد الاوروبي. تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الدول والأطراف التي تتباكى على اللاجئين لم تشر في وصفها وشرحها لمعاناتهم، لم تشر للأعداد المهولة من المقاتلين الارهابيين الاجانب الذين قامت تلك الدول والأطراف ذاتها بدعمهم وتمويلهم وتسليحهم وحتى إلى إيصالهم إلى داخل الأراضي السورية ليعيثوا فيها  فساداً وخراباً وقتلاً. كل ذلك بعد أن تم إعادة تسمية هؤلاء الارهابيين الأجانب وأعادة تدويرهم ليصبحوا جهاديين طالما أنهم يسفكون دماء السوريين ويدمرون البلاد. كما أن بعض تلك الدول تعمد تناسي المعاناة الاقتصادية التي تسبب بها للشعب السوري نتيجة الاجراءات الاقتصادية القسرية الاحادية الجانب المفروضة على سوريا منذ خمس سنوات، وهي الاجراءات التي فاقمت من سوء الحال المعيشي لنسبة كبيرة من السوريين ممن ارتضوا الرحيل للبحث عن قوتهم وقوت عوائلهم بعيداً عن أرض الوطن.

السيد الرئيس،

إن شعوب العديد من دول العالم ليست مجرد أضرار جانبية أو collateral damage كما تسمى بلغة شكسبير، ليست مجرد أضرار جانبية لدى بعض الدول الغربية، وليست مجرد أرقام تتساقط على شاشاتها وصحفها لتتباكى فيما بعد عليها وتدعي حرصها على حقوق الانسان. نحن شعوبٌ ودولٌ تمثل مهداً للحضارة الإنسانية ومنبعاً لجميع الديانات السماوية التي علمت البشر معنى المحبة والتآخي والتكافل والعيش المشترك. إن الأجدر بالدول والأطراف التي تدعي حرصها على حماية حقوق الانسان أن تكف عن التدخل السافر في الشؤون الداخلية لدول أخرى أعضاء في هذه المنظمة الدولية، تحت ذرائع ومسميات واهية لا أساس لها من الصحة، كما يجدر بها الالتزام بميثاق الامم المتحدة وبأحكام القانون الدولي التي تلزم الجميع باحترام سيادة الدول ووحدة اراضيها واستقلال قرارها السياسي، كل ذلك مذكور في دباجة الميثاق.    

أخيراً، ينبغي التنويه بأن حماية وتعزيز حقوق الإنسان هي مسألة نبيلة تستدعي التزام جميع الدول الأعضاء بها، مع ضرورة عدم استخدام البعض لهذه المسألة الهامة وسيلة للترويج للإرهاب ونشر البلبلة والقلاقل في دول أعضاء بعينها من أجل قلب أنظمة الحكم فيها بالقوة لمجرد أن أنظمة الحكم هذه لا تنسجم مع أجندات الدول التي تريد التدخل في شؤون بعض دول الأعضاء في هذه المنظمة الدولية. 

شكراً

__________________________________________________