السيد الرئيس،
أود بدايةً أن أتوجه لكم بالتهنئة على تولي جمهورية مصر العربية الشقيقة من خلالكم رئاسة مجلس الأمن للشهر الجاري، وأن أرحب بحضور وترؤس معالي الوزير "سامح شكري" لهذه الجلسة الهامة التي أشكركم على الدعوة لعقدها. وقبل أن أبدأ بقراءة البيان، أود أن أنقل التعازي الحارة لمصر حكومةً وشعباً بضحايا الشرطة الذين سقطوا جرّاء العمل الإرهابي الشنيع قبل أيام، وكذلك للعراق حكومةً وشعباً بالضحايا الـمئة الذين سقطوا اليوم بالسيارات المفخخة. إن هذا الإرهاب الذي يضرب مصر والعراق هو نفسه الذي يضرب بلادي، لذا فإن اختيار موضوع هذه الجلسة هو أمر هام.
السيد الرئيس،
اليوم، وبعد مضي خمسة أعوام ونيّف على اغتيال أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي والعلاقات الودية وحسن الجوار فوق الأرض السورية، وبعد استنفاذ كافة السبل والوسائل لتدمير سوريا دولةً وشعباً وبنىً تحتية، بدءاً بالإرهاب والتضليل الإعلامي واستجلاب المقاتلين الإرهابيين الأجانب والمرتزقة من أطراف الأرض الأربعة، ومروراً بتسهيل استخدام الجماعات الإرهابية للمواد الكيماوية وصولاً إلى الاتجار بآلام وأوجاع وآمال اللاجئين والمهجرين، واصطناع معارضات خارجية حاقدة على وطنها ومتحالفة مع لصوص الدنيا ورعاة الإرهاب والإجرام، بعد كل ذلك، يصبح من المشروع أن نقول للمنخرطين في تأجيج الأزمة وإطالة أمدها: أرفعوا أيديكم عن بلادي سوريا، وتوقفوا عن ذر الرماد في العيون، وكفوا عن التدخل في شؤوننا الداخلية تحت مسميات واهية ثبت بطلانها في سوريا والعراق وليبيا والعديد من الدول الأخرى...
لقد عقد مجلس الأمن، منذ بداية ما اصطلح على تسميته بـ "الأزمة السورية"، مئات الجلسات، واعتمد عشرات القرارات والبيانات، وشكّل آليات لتقصي الحقائق، ومع ذلك فإنه عجز عن التحرك بجديةٍ ولو خطوة واحدة باتجاه الضغط على رعاة الإرهاب لمنع تصدير الإرهابيين والمرتزقة الأجانب إلى سوريا والعراق وضبط الحدود ومنع تسلل الإرهابيين ووقف معالجة مصابيهم في المشافي الإسرائيلية والتركية بتمويل قطري، وحظر المحطات التلفزيونية المغرضة التي تبث من السعودية وقطر وتركيا ولندن وتحرض على الإرهاب الطائفي والمذهبي وبما ينتهك بالجملة قرارات المجلس ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
السيد الرئيس،
لقد أكد وفد بلادي مراراً دعمه الكامل لكل جهد جاد ومخلص يهدف للتصدي للتهديد الذي يمثله الإرهاب وأيديولوجيته السامة، ولإعلاء قيم السلام والحوار واحترام التنوع الديني والفكري والثقافي. وكنا وما زلنا نقول أن الإرهاب هو أخطر التحديات التي يواجهها العالم اليوم وأنه عدو مشترك للإنسانية جمعاء، ويستدعي، بالتالي، نهوض الأمم المتحدة ومجلس الأمن بمسؤولياتهما في تنسيق وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب لكن هذا النهوض يجب أن يكون بعيداً عن المعايير المزدوجة والانتقائية والاصطفائية، إذ لا يعقل أن يكون الإرهابي إرهابياً في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا وتونس بينما يحلو للبعض تسميته "جهادياً" و"جماعات مسلحة من غير الدول" و"معارضة سورية مسلحة معتدلة" في سوريا!!! ويغدق عليه السلاح والمال وتأشيرات الدخول والحماية الاستخباراتية وإيصاله إلى الحدود السورية وتأمين عبوره لها إلى الداخل السوري...
لقد صنع البعض للإرهاب دولةً لها علم رسمي ومواقع إعلامية، وربما عيّن بعض رعاة الإرهاب سفراء لهم لدى هذه الدولة، وقرنها متعمداً بأسماء "الخلافة" و"الإسلام"، وجعل لها "عاصمتين" في كلٍ من سوريا والعراق، دولة الإرهاب هذه لم تؤسس في إسرائيل أو السعودية أو قطر أو تركيا أو الأردن وإنما في سوريا والعراق وجعلوا لها عاصمتين هما الموصل والرقة. ومن ثم شكّل هذا البعض تحالفاً دولياً لمواجهتها كي يتم استكمال مشهد "الفوضى الخلاقة". وها هو العالم بأسره يتابع مسرحية مكافحة ما يسمى بالتحالف الدولي لداعش، وهي مسرحيةٌ عبثية نظراً لافتقادها للجدية والمصداقية، لاسيما وأنه بدلاً من استهداف عناصر "داعش" فإن ما يسمى بـ التحالف الدولي" دمّر البنى التحتية العائدة للدولة السورية والشعب السوري بذريعة مكافحة الإرهاب، وتغاضى عن اتجار داعش بالنفط والآثار مع تركيا وتصديرهما عبر أراضيها إلى إسرائيل ودول أوروبية.
لقد سقط القناع عن وجوه الحكومات الراعية للإرهاب التكفيري في بلادي وفي المنطقة وأفريقيا، وباءت جهود تلك الحكومات الدموية بالفشل، وانتهى مسلسل الكذب وبكاء التماسيح على معاناة الشعب السوري التي سببتها نفس الحكومات التي تدعي أنها تحارب الإرهاب. وقد كشف الكثير من وثائق "ويكيليكس" المسربة دور تلك الحكومات في استهداف سوريا بعد غزو العراق وتدميره. إن من صنّع "داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة" و"جيش الفتح" و"جيش الإسلام" و"أحرار الشام" و"جند الأقصى" و"لواء السلطان مراد" و"حزب التحرير التركستاني" و"بوكو حرام" و"الشباب" و"جبهة الإنقاذ" والعشرات من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، ومن مدهم بالسلاح والمال والتدريب والفتاوى والحماية السياسية والإعلامية وأطلق عليهم تسميات مثل "العنف السياسي" و"الجهاديين" لتحصينهم من تهمة الإرهاب هو سيد الإرهاب بلا منازع وينبغي، تالياً، أن يكون عدواً مشتركاً للبشرية جمعاء.
السيد الرئيس،
إن التصدي للأفكار السامة التي تروج لها التنظيمات الإرهابية وداعميها ومموليها لا يقل أهمية عن التصدي لاستخدام الجماعات الإرهابية أسلحةً كيماوية أو بيولوجية. وفي هذا السياق فإنه من غير الممكن التغاضي عن الدور الهدام الذي تمارسه حكومات الدول الداعمة للإرهاب، إذ يقوم النظامان السعودي والقطري بالإساءة للعرب والمسلمين عبر نشر أفكار وهابية تكفيرية جاهلية متطرفة وتعاليم مغلوطة وتفسيرات مشوهة للدين الإسلامي، كما يقومان والنظام التركي بتقديم الدعم بشتى أشكاله للإرهاب التكفيري العابر للحدود والعابر للقارات والعابر للقوانين واستغلاله لخدمة أجنداتٍ هدامة على حساب السلم والأمن الدوليين ودماء وأرواح ضحايا الإرهاب في العديد من دولنا الأعضاء ومن بينها بلادي.
إن التنوع الثقافي والحضاري والديني وخيارات سوريا السياسية المستقلة هو ما يتم استهدافه بهذا العدوان الآثم الذي تتعرض له بلادي بأداة الإرهاب ومشغليه. إلا أن الإنجازاتٌ المشرفة التي يحققها الجيش والقوات المسلحة، وبدعمٍ من الأصدقاء، في معركة التصدي للإرهاب، ومنها تحرير مدينة تدمر التاريخية من عناصر تنظيم داعش الإرهابي وعودة الفن والموسيقى إلى مسرحها الأثري تمثل انتصاراً للحضارة والنور على الفكر الإرهابي التكفيري المتخلف.
السيد الرئيس،
يؤكد وفد بلادي على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل وغيره من الأراضي العربية المحتلة، ووضع حد لممارسات سلطات الاحتلال الداعمة للإرهاب والتي أدت، كما تعرفون، إلى طرد عناصر الأندوف من منطقة خط الفصل في الجولان السوري المحتل واستبدالها بعناصر إرهابية من "جبهة النصرة" و"لواء اليرموك".
ختاماً، يشدد وفد بلادي على أهمية عدم مكافأة الإرهابيين وداعميهم على أنشطتهم الإجرامية. وإنه لمن المؤسف والمعيب أن تذعن أوروبا لإبرام اتفاق مع نظام "أردوغان" الداعم للإرهاب على نحو يتيح له ابتزازها والمتاجرة بأوضاع اللاجئين والمهجرين واستغلال معاناتهم الناجمة عن ممارساته وذلك لإعفاء مواطنيه من سمات الدخول لدول الاتحاد الأوروبي وتحقيق مكاسب رخيصة.
وشكراً السيد الرئيس