United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

كلمة المجموعة العربية أمام الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية

الخميس, 25 (كانون الثاني (يناير 2018
المتحدث: 
السيد/ سعود الشامسي
المكان: 
الأمم المتحدة

السيد الرئيس،

يسرني في البداية، باسم المجموعة العربية، أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكم على عقدكم هذه الجلسة الهامة، وأن أهنئكم على ترأس مجلس الأمن لهذا الشهر. كما أود أن أشكر منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، السيد نيكولاي ملادينوف على إحاطته صباح اليوم.

السيد الرئيس،

اعتمد مجلس الأمن بعد عدة أشهر من انتهاء العدوان الإسرائيلي عام 1967 القرار 242؛ وهو القرار الذي قضى بعدم جواز ورفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة. كما أنه وضع الأساس الحقيقي لأية تسوية مقبولة للنزاع العربي-الإسرائيلي والمتمثل بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المُحتلة. ويبقى هذا الأساس السبيل الوحيد لمُعالجة القضية الفلسطينية، وهو المنطق ذاته الذي استندت إليه الدول العربية عندما اعتمدت في قمّتها ببيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية، التي تنص على انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة، وإنهاء القضايا العالقة مقابل اقامة علاقات سلمية مع اسرائيل. وكون مبادرة السلام العربية مبادرة عادلة، فقد أيّدها المجتمع الدولي بأشكال عديدة، باستثناء إسرائيل التي ما زلنا ننتظر إعلان قبولها لهذه المبادرة.

 

وتقدم مبادرة السلام العربية فرصة تاريخية لإسرائيل لإقامة علاقات طبيعية، ليس فقط مع جيرانها من العرب، بل مع دول العالم الإسلامي أيضاً. وقد أعادت قمة عمّان في مارس الماضي التأكيد على هذه المبادرة كخَيار عربي استراتيجي. ولكنه من المؤسف جداً أن إسرائيل في المقابل لا تطرح سوى بديل واحد، وهو استمرار الاحتلال، وتكريس الاستعمار، وانتهاك السيادة الفلسطينية على الأرض. كما نجحت إسرائيل في دفن اتفاق أوسلو عام 1993 وإنهائه عملياً من خلال تثبيت واقع نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) المرير في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتحويل قطاع غزة لسجنٍ كبير.

السيد الرئيس،

تعتمد الحكومة الإسرائيلية استراتيجية تهدف إلى تحويل حل الدولتين على أساس حدود 1967 لحلٍ مُستحيل، وذلك من خلال تنفيذ خطة ممنهجة في بناء المستوطنات غير القانونية، واختيار مواقعها بصورة تجعل من قيام دولة فلسطينية أمراً شبه المستحيل. فمما لا شك فيه أن هذا المشروع الذي تتبناه القيادة الإسرائيلية الحالية هو مشروع استيطان لا مشروع سلام. وهنا، نؤكد على أن قرار مجلس الأمن التاريخي 2334، بما تَوَفر له من إجماع غير مسبوق، يُعد خطوةً في الاتجاه الصحيح نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف المشروع الاستيطاني، ونبذ العنف وتحقيق السلام على أساس حل الدولتين على حدود 1967. وعليه، يتعين علينا الآن، كمجتمع دولي، بذل الجهود واتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ هذا القرار، وممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن مشروعها الاستيطاني، والتخلي عن نواياها الاستعمارية التي باتت مكشوفة وواضحة للعلن.

السيد الرئيس،

إن جوهر الصراع هو الاحتلال الاسرائيلي، ولن نتوصل لحلاً للقضية إلا بمعالجة هذا الجوهر بطريقة مُباشرة وبشكل حاسم، وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام. لذلك، فإن أي خطة لا تنطلق من هذه الحقيقة هي خطة محكوم عليها بالفشل، وإن أي محاولة لخلق أوضاع مرحلية وإقامة ترتيبات مؤقتة لن تفضي سوى لإطالة أمد هذا الاحتلال الغاشم. كما أن أي تفاوض جاد لابد له من إطار مرجعي متفق عليه لا تستقيم المفاوضات بدونه. ويتمثل هذا الإطار في مُقررات الشرعية الدولية: قرارات هذا المجلس وقرارات الجمعية العامة ومبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية. كما لابد أيضاً من مُعالجة قضايا الحدود والأمن والقدس واللاجئين كأساس للتوصل إلى حل عادل وشامل ومستدام.

وهنا وبالتطرق إلى الحديث عن قضايا الحل النهائي، تعيد المجموعة العربية التأكيد على رفضها القاطع وإدانتها الشديدة لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ونقل سفارتها إليها. وتعتبر هذا القرار باطل ولاغٍ، وخرقاً خطيراً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة. وبالرغم من أنه لا يترتب على هذا القرار أي أثر قانوني قد يغير من وضع القدس، إلا أن المجموعة العربية تعتبره اعتداء صريحاً على حقوق الشعب الفلسطيني وعلى الأمّتين العربية والإسلامية، والمسيحيين حول العالم. كما أنه يُعد تطوراً خطيراً يقوّض عملية السلام وحل الدولتين على أساس حدود 1967، ويهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم، ويساهم في انتشار العنف والتطرف.

السيد الرئيس،

إن التوافق الدولي الكبير الذي شهدناه في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة حول أهمية الحفاظ على الوضع القانوني لمدينة القدس، لا يهدف فقط إلى انقاذ عملية السلام، بل يهدف أيضاً لحماية الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ومكانة ودور هذه المنظمة في صون السلم والأمن الدوليين. ومن هذا المنطلق، نؤمن بأن التزام الدول الأعضاء، وفي المقام الأول أعضاء مجلس الأمن، بتنفيذ قرارات المجلس واحترام التزاماتها بموجب هذه القرارات، يصب في اتجاه تحقيق هذه الأهداف.

وتلزم الإشارة هنا إلى قرار مجلس الأمن 478 لعام 1980، الذي أكد على أن أي إجراءات تهدف إلى تغيير معالم القدس ووضعها، هي إجراءات باطلة ويجب إلغاؤها، ودعا الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة. كما تلزم الإشارة بأن مجلس الأمن في قراره التاريخي رقم 2334 الذي تم اعتماده منذ عام فقط، أعلن بأنه لن يعترف بأي تغيير في خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، بما ذلك ما يتعلق بالقدس الشريف، إلا بموافقة الأطراف. كذلك، أكدت الجمعية العامة في قرارها الذي اعتمدته بتاريخ 21 ديسمبر 2017 على عدد من الأمور الهامة المتعلقة بالحفاظ على الوضع القائم في مدينة القدس، ومنها التأكيد على أهمية أن تمتثل جميع الدول الأعضاء لقرارات مجلس الأمن بشأن مدينة القدس، وألا تعترف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات.

وعليه، واستناداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومدينة القدس، فإن المجموعة العربية تطالب مجلس الأمن والدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات التالية:

  1. عدم الاعتراف بأي تدابير أو إجراءات أُحادية الجانب تهدف الى تغيير طابع مدينة القدس أو وضعها أو تركيبتها الديموغرافية والتأكيد على أن هذه الاجراءات لاغية وباطلة ولا أثر قانوني لها.
  2. الدعوة مجدداً للامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف، عملاً بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة.
  3. التأكيد على أن قضية القدس من قضايا الوضع النهائي التي يجب البت فيها عبر مفاوضات بين الأطراف، وعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها الإجحاف بنتائج مفاوضات الوضع النهائي.
  4. العمل على تبيان خطورة الإجراءات الأحادية الجانب والتي تهدد حل الدولتين.
  5. تكثيف وتسريع الجهود وأنشطة الدعم على الصعيدين الدولي والإقليمي في سبيل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد.

وفي هذا السياق، نود أن نعرب عن تقديرنا للدور الذي تقوم به المملكة الأردنية الهاشمية في توفير الحماية للأماكن المقدسة في مدينة القدس الشريف، بصفتها الوصي على هذه الأماكن. ونقدّر الدور الذي تقوم به لجنة القدس برئاسة المملكة المغربية. كما نود أن ننتهز هذه الفرصة لنتقدم بخالص الشكر والامتنان إلى كافة الدول الأعضاء التي صوتت لصالح قرار الجمعية العامة في دورتها الطارئة الأخيرة. كما نثمّن الدور الذي تضطلع به دول العالم التي تدعم الجهود والمبادرات الرامية للتصدي لهذا القرار الخطير والدفع قُدماً بعملية السلام في الشرق الأوسط.

السيد الرئيس،

إن إسرائيل في حالة انتهاك دائم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، مما يجعلها تفتقد لأدنى شروط الانضمام أو حتى الترشح لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن، ويُعد القبول بها عضواً في هذا المجلس ضرباً في الصميم لشرعيته، وسيعطي هذا القبول دفعة قوية لجماعات التشدد والاستيطان الإسرائيلية. كما نذكر بأن إسرائيل لا تفوّت فرصة للنيل من مِصداقية الأمم المتحدة، وإظهار الاستخفاف بها وبما تمثله، بل والتحريض ضدها. وهذا ما شهدناه مؤخراً من قِبل الحكومة الإسرائيلية وتحريضها ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين (الأونروا)؛ الوكالة التي تُمثل عنوان الالتزام الدولي تجاه قضية اللاجئين.

وفي ظل الأوقات الحرجة التي تمر بها الأونروا اليوم، ننتهز الفرصة للتعبير عن تقديرنا الكبير للعمل الإنساني النبيل الذي تقوم به الوكالة، التي تستمد ولايتها من الجمعية العامة باعتبارها منظمة تابعة للأمم المتحدة. كما نود أن نؤكد على الدور الحيوي الذي تقوم به الأونروا لأكثر من 5.5 مليون لاجئ فلسطيني، بما فيهم الأطفال والنساء والشباب، عبر تقديمها الخدمات الإغاثية والتنموية من صحة وغذاء وبنية تحتية. كما تعمل الوكالة على منح اللاجئين الفرص للحصول على مستقبل أفضل من خلال توفير فرص التعليم والعمل، مما يحقق لهم الحماية والعيش الكريم إلى حين إيجاد حل عادل لمأساتهم ومحنتهم.

وعليه، ترفض المجموعة العربية محاولات تصفية قضية اللاجئين ومحوها عن الأجندة الدولية، وتُطالب المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسئولياته تجاه لاجئي فلسطين والدول المضيفة لهم، وتجاه الأونروا عبر توفير الدعم اللازم لها للقيام بمسئولياتها التي أُوكلت إليها بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تعبر عن عميق شكرها لمساعي الدول المانحة من أجل تقليص العجز المسجل في ميزانية الوكالة.

السيد الرئيس،

لقد بات من الضروري، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن يتم اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من سبعة عقود. ونؤكد في هذا السياق أن إعادة الاستقرار والسلام إلى المنطقة لن يتحقق طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، ولابد من مساندة الفلسطينيين وإنقاذهم من خيبة الأمل التي تجتاحهم إزاء عدم تمكّن المنظومة الدولية من إنهاء مأساتهم وتمكينهم من نيل حقوقهم وتحويل تطلعاتهم المشروعة إلى واقع.

وشكراً، السيد الرئيس.