United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

بيان المندوب الدائم السفير بسّام صباغ في جلسة مجلس الأمن حول الشأنين "السياسي والانساني" في سورية

الخميس, 24 (آذار (مارس 2022
المتحدث: 
بسّام صباغ
المكان: 
مجلس الأمن

السيدة الرئيس،

لقد تسابقت بعض الدول المعادية لسورية خلال هذا الشهر إلى إصدار بياناتٍ لإحياء ما أسموه زوراً "الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية"، لأنها في حقيقة الأمر الذكرى الحادية عشرة للعدوان الذي شنّته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وحلفاؤهم على سورية عبر الأدوات الإرهابية، والتنظيمات الانفصالية، والعقوبات الاقتصادية، والمترافقةِ مع حملةٍ دعائية ضخمة تقودها آلة متخصصة بأساليب التضليل والفبركة والكذب.

إن سورية التي شنوا حربهم عليها هي سورية التاريخ والحضارة، وسورية التعايش والتسامح، وسورية المقاومة والبطولة، وسورية التقدم والتنمية، كانت هدفاً مشتركاً لقوى الشر والكراهية، ولقوى الظلام والتدمير، ولقوى الجهل والتخلف، ولقوى العمالة والارتهان، بغية عرقلة نهضة سورية، وتدمير منجزاتها التنموية، وسفك دماء أبنائها المدافعين عن كرامتها وسيادتها ووحدتها، والنيل من دورها الإقليمي والدولي. 

نعم، الشعب السوري أطلق ثورته، ولكن ليس قبل أحد عشر عاماً، وإنما قبل مئة عام عندما ثار على المحتل العثماني، ومن بعده المستعمر الفرنسي، إلى أن نال ببسالته وبطولته استقلاله التام، ليطلقَ بعدها ثورته على الظلم والتخلف، ويؤسّسَ لمرحلةِ تحولٍ عظيمٍ وشاملٍ، قادت إلى عقودٍ من الاستقرار، ورسخّت قاعدةً صلبة لجهودِ التطوير والتحديث.

السيدة الرئيس،

إن "التعبير عن القلق" هي عبارة دأبت تلك الدول على استخدامها في بياناتها، إلا أن القلق الحقيقي الذي يجب أن نعبر عنه جميعاً هو من ممارسات قوات الاحتلال الأمريكي ودعمها للميليشيات الانفصالية في شمال شرق سورية، وتشاركهما معاً في انتهاك السيادة السورية، وفي سرقة ونهب الثروات الوطنية. كما أن هذا القلق يجب أن يكون من ممارسات قوات الاحتلال التركي ودعمها للتنظيمات الإرهابية في شمال غرب سورية، وتدخلها الوقح في الشؤون الداخلية السورية.

القلق البالغ الذي يجب علينا أن نعرب عنه هو من الممارسات العدوانية الإسرائيلية المستمرة والمتكررة على السيادة السورية، وما تخلفه من ضحايا وأضرار، وتهديدٍ مباشر لأمن واستقرار المنطقة.

السيدات والسادة، هل قرأتم في بياناتهم أي تعبيرٍ عن القلق من مثلِ هذه الممارسات التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة؟ بالطبع لا.

السيدة الرئيس،  

عبارةُ "وقف العنف" هي عبارة أخرى يحرصون على حشوها في بياناتهم، لكنهم يحرّضون عليه في كل يوم، من خلال الضغط والترهيب والتلاعب بالقيم المجتمعية، ويؤججونه من خلال ممارساتهم العدوانية، وإعادة تدويرهم للعناصر الإرهابية وشذاذ الآفاق الذين كانوا قد أتوا بهم من كل أصقاع الأرض، ويرفضون الآن إعادتهم وعائلاتهم إلى دولهم التي قدموا منها لمقاضاتهم.

على مدى الأحد عشر عاماً الماضية ذرفوا الدموع على معاناة الشعب السوري، لكنهم ينكرون أن هذه المعاناة هي نتيجة للسياسات الفاشلة لتلك الدول، وأفعالها العدوانية، وبياناتها التحريضية، ونفاقها الإنساني. فالمعاناة الإنسانية للشعب السوري بدأت من تقويضهم لحالة الأمن والاستقرار التي كان يشعر بها المواطن السوري، واستخدامهم لعناصر إرهابية وإجرامية لإشاعة الفوضى وبث الرعب والخوف، وتخريب وتدمير البنى التحتية والمنجزات التنموية، وصولاً إلى فرضهم لتدابير قسرية انفرادية، والتلويح على نحو متكرر بفرض المزيد منها.

إن هذه الممارسات العدوانية هي التي تسببت بموجات النزوح واللجوء، وهي التي تعيق جهود الحكومة لتوفير الظروف الملائمة لعودتهم الكريمة والآمنة والطوعية إلى مناطقهم الأصلية، بما يضع حداً لمعاناتهم واستغلالها للابتزاز وإبرام الصفقات كما يفعل النظام التركي. واليوم، تمنع تلك الدول أي جهدٍ محلي أو إقليمي أو دولي لإعادة إعمار ما دمرته حربهم القذرة، والبدء بمشاريع الإنعاش المبكر التي يمكن أن تساعد السوريين على الصمود، وتثبّت وجودهم على أرضهم بدلاً من دفعهم للهجرة أو اللجوء، وتشجع من غادر منهم على العودة.

السيدة الرئيس،

إن دعوة تلك الدول للحل السياسي في سورية، هي مادة للمزايدة والنفاق، لأنهم يريدونه وفق منظورهم الذي لا يحترم إرادة الشعب السوري وخياراته الوطنية، مما يطيل أمد الأزمة السورية ويعرقل التوصل لحلٍ حقيقي. إنهم يتدخلون بما هو ملكٌ حصريٌ للشعب السوري، ويسعون لفرض أطر سياسية وعسكرية لا تتناسب مع تاريخه وقيمه الثقافية والحضارية والمجتمعية، والتحديات التي يواجهها.   

أما حينما يتحدثون عن المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، فهذا لا يعني بالنسبة لتلك الدول - بأي حال من الأحوال - المساءلة عن جرائمهم، وعدوانهم، وانتهاكاتهم، ودعمهم للإرهاب. فتحقيق العدالة في نظر تلك الدول انتقائي، ويأتي إما من خلال آليات مسيّسة وغير مؤهلة تم فرض إنشائها عبر أساليب الضغط التي مارسوها لخدمة مصالحهم وأجنداتهم، أو من خلال التلاعب بركائز القانون الدولي واللجوء إلى تفسيرات مشوهة لها ومفاهيم أخرى غير أخلاقية. نقول لهؤلاء: إن سفكهم لدماء السوريين، وتدمير منجزاتهم، وسرقة ثرواتهم، هي جرائم يجب أن يساءلوا هم عنها، وألاّ يفلتوا من العقاب.   

السيدة الرئيس،

كان لا بد لوفدي من أن يعرض على نحو شامل لمجريات ما تعرضت له سورية خلال الأحد عشر عاماً الماضية. لكنه في نفس الوقت، يحرص على تأكيد التزام سورية ببذل قصارى جهدها للارتقاء بالوضع الإنساني، وتوفير الخدمات الأساسية والصحية والتعليمية، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين، والتزامها أيضاً بالعمل مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين، بما في ذلك من خلال تعزيز وصول المساعدات الإنسانية من داخل الأراضي السورية، وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، وتوفير الظروف المناسبة للعودة الكريمة والطوعية للمهجرين إلى مناطقهم.

السيدة الرئيس،

إن الجمهورية العربية السورية ملتزمةٌ بالحل السياسي القائم على الحوار الوطني السوري – السوري، والعملية السياسية بقيادة وملكية سورية، ومن دون أي تدخل خارجي، وبما يحقق آمال الشعب السوري، ويكفل الالتزام التام باحترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها. وننوه هنا بالجهود التي تبذلها الحكومة السورية لتحقيق المصالحة والسلام، بما في ذلك، من خلال التسويات المحلية التي تشهدها العديد من المدن والمناطق السورية تنفيذاً لمراسيم العفو التي أصدرها السيد رئيس الجمهورية، والتي مكنت آلاف السوريين - داخل سورية وخارجها - من العودة إلى حياتهم الطبيعية.

يرحب وفدي بانعقاد أعمال الجولة السابعة للجنة الدستورية، ويثني على الانخراط الإيجابي البنّاء للوفد الوطني، وحرصه على تلبية تطلعات السوريين. كما يشدد على رفض أي تدخلات خارجية في أعمال هذه اللجنة، أو محاولات عرقلة عملها، أو فرض خلاصاتٍ مسبقةٍ له وجداول زمنية مصطنعة.

ختاماً، إن استعادة الأمن والسلام والاستقرار في الجمهورية العربية السورية ستبقى رهناً بتخلي تلك الدول الغربية عن سياساتها العدائية إزاء بلادي، ووقف رعايتها للإرهاب، واستعادتها لرعاياها من المقاتلين الإرهابيين الأجانب وذويهم، وإنهاء الاحتلال والوجود الأجنبي اللاشرعي على أراضي سورية، ورفع الحصار الاقتصادي الخانق واللاأخلاقي المفروض عليها، ودعم جهود الحكومة السورية لتحقيق التنمية وإعادة الإعمار.

شكراً السيدة الرئيس.