United Nations Welcome to the United Nations. It's your world.

جلسة النقاش حول "الحفاظ على السلام والأمن الدوليين: دور الشباب في مكافحة التطرف العنيف وتعزيز السلام"

الخميس, 23 (نيسان (أبريل 2015
المتحدث: 
د. بشار الجعفري
المكان: 
مجلس الأمن

السيد الرئيس،

في الوقت الذي نجتمع فيه يفارق مئات الشبان والفتيات أسرهم خلسةً ويشقون طريقهم عبر حدود مفتوحة يلقون فيها كل التسهيلات من قبل أجهزة استخبارات متخصصة للالتحاق بتنظيمات إرهابية يتعذر عليهم، غالباً، الإنفكاك من براثنها بعد صحوتهم المتأخرة إن حدثت.

إن مسؤوليتنا، كسياسيين وقانونيين ومختصين وأمهات وآباء، تحتم علينا أن نبذل قصارى الجهد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء التحاق الشباب بالتنظيمات الإرهابية والتصدي لهذه الظاهرة التي هي ليست بالجديدة على مجتمعاتنا، وإنما الجديد فيها هو المستوى غير المسبوق لوتيرة جذب التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة وحركة الشباب وبوكو حرام وغيرها للشباب، وذلك بأساليب تضليل مختلفة ومن بينها بشكل خاص وسائل التواصل الحديثة، وبذل المال لاستقطاب الشباب العاطل عن العمل، وفتاوى التحريض الديني....

السيد الرئيس،

تؤكد التقارير أن أغلبية المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يلتحقون بالجماعات الإرهابية، والذين تُقدر أعدادهم بعشرات الآلاف، هم من الشباب والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين /15/ و/35/ سنة. وقد أتاحت تقانات الإعلام الحديثة معايشة معاناة أسر كثيرة خسرت أحبة قرروا في لحظة طيش أو تضليل الالتحاق بما صور لهم على أنه "واجب مقدس" أو "عمل بطولي" أو "أخلاقي نبيل" أو "فرصةً لكسب المال بأهون السبل"..... 

إن الحديث عن هذه الظاهرة يقتضي منا الحديث عن مسبباتها لنتمكن بالتالي من تحديد أفضل السبل للتعامل معها. وفي هذا السياق يؤكد وفد بلادي على أن التدخل السافر لبعض الدول في الشؤون الداخلية لدولٍ أخرى تحت مسميات وذرائع شتى مثل: نشر الديمقراطية والحرية وحماية المدنيين والجهاد، وكذلك إطالة أمد النزاعات والحيلولة دون تسويتها بالطرق السلمية لإيجاد المبررات اللازمة للتدخل الأجنبي المباشر أو غير المباشر في شؤون الدول الأعضاء هي من أشد العوامل الدافعة للتطرف والكراهية والاتجاه نحو العنف والإرهاب. وكذلك هو الدور الذي تقوم به بعض أنظمة الحكم لنشر خطاب الكراهية والأفكار المتطرفة ومناهج التعليم الهدامة التي لا تمت للأديان ولا للحضارة الإنسانية بصلة والتي تحرض على الهمجية والعنف والإرهاب.

إن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، إغفال العوامل الهامة الأخرى ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، التمييز القائم على أساس الدين أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الجنس أو غيرها من العوامل التي ما فتئت تمثل نوعاً من العقاب الجماعي لبشرٍ لم يختاروا يوماً مكان ولادتهم ولا دينهم ولا لون بشرة ذويهم. ومن المؤسف أن نلحظ، في هذا الإطار، وجود حملات رعناء لقولبة أتباع دين بعينه ومحاولة وسمهم بالإرهاب وممارسة شتى أشكال التمييز والتهميش والاضطهاد والملاحقة الأمنية بحقهم في دول تدعي الحرص على قيم الإنسانية والمواطنة وحقوق الإنسان وتبدي رغبتها في منع أسباب التطرف والجنوح نحو العنف، ويزداد أسفنا لوجود دول عربية واسلامية تشارك من خلال سلوكها الخاطئ في الاساءة لكل ما هو عربي ومسلم....  

السيد الرئيس،

إننا مطالبون بالعمل بشكل جاد وفعال لحماية الشبان والشابات مما يتعرضون له عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية من حملات تغرير وخداع تدفعهم لمغادرة عائلاتهم وأوطانهم والإنضواء في أفكار وهابية أصولية تكفيرية ثم التوجه إلى دول أخرى للانضمام إلى تنظيمات إرهابية وممارسة أعمال القتل والنهب والتخريب قبل أن يزهقوا أرواحهم بتفجيرات انتحارية أو يُقتلوا أو يعودوا لإنشاء كيانات وشنّ اعتداءات في دولهم الأم أو في دول ثالثة.

علينا، إذن، مساءلة من يرعى ويدعم هذه المواقع والمحطات التلفزيونية ومساءلة من يغرر بهم ويمولهم وييسر سفرهم ويهربهم عبر الحدود ويقدم لهم التدريب والسلاح ويسميهم بـ"المعتدلين" ليقاتلوا في أفغانستان والصومال والشيشان والعراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر ولبنان ونيجيريا وكينيا ودول أخرى. إن الفاعل هنا ليس مجهولاً فهو حكومات دول معروفة ممثلٌ بعضها في مجلسكم هذا للأسف.

السيد الرئيس،

لا ينبغي أن يكون أمام الشباب خيار اليأس بين الوقوع ضحيةً لرعاة الإرهاب من جهة، أو الغرق في لجج مياه البحر المتوسط وهم في طريقهم إلى فردوس مفقود من جهة ثانية.... ألا يلاحظ الجميع هنا، معنا، أن ثمة خطأً كبيراً يتم ارتكابه في السياسات الدولية ويدفع ثمنه الشباب؟..... 

إن في دولنا الأعضاء ملايين الشبان والفتيات القادرين على تحويل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من أداة لتجنيد الإرهابيين إلى وسيلة فعالة لمواجهة الإرهاب ولمكافحة التطرف ونشر قيم التسامح والمحبة التي هي جوهر الأديان والأخلاق.

ختاماً، الأمر لا يحتاج لتقارير أو صكوك جديدة فلدينا في الأمم المتحدة رصيد كاف منها، وفي مقدمتها قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب واستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وكذلك قرارات الجمعية العامة الخاصة بتحالف الحضارات وثقافة السلام ومكافحة التعصب والتمييز والتحريض على العنف والإرهاب. إن المطلوب، إذاً، هو إرادة صادقة وعزيمة متقدة لمكافحة الإرهاب ومساءلة مشغليه وداعميه بما يجنب البشرية هذه الآفة ويساهم فعلاً في حفظ السلم والأمن الدوليين وهما عنوان البند الذي انعقدت هذه الجلسة تحته.  

وشكراً.